كيف تقرأ الانسحاب الروسى من سوريا؟..قراءات وتحليلات مختلفة صاحبت القرار الروسى بسحب قواتها الرئيسية من سوريا، لكن فى الغالب أن الأمر أكبر مما جاء فى بيان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بأن «المهمات التى كلفت بها القوات الروسية فى سوريا تم إنجازها»، فإذا كان يقصد القضاء على التنظيمات الإرهابية ومن بينها داعش فهذه مهمة لم تنته بعد، لكن يبدو أن بوتين يتحدث عن انتهاء المهمة السياسية التى دخلت بسببها القوات الروسية سوريا فى سبتمبر الماضى، حينما أصبحت أول عملية عسكرية روسية واسعة النطاق خارج حدود دول الاتحاد السوفيتى السابق بعد تفككه.
فعلياً لا يمكن إغفال حقيقة مهمة، وهى أن الروس حينما تدخلوا فى سوريا قبل ستة أشهر، فهدفهم الأساسى كان إعادة التوازن السياسى، بعد ضغوط قوية تعرض لها نظام الرئيس بشار الأسد، فدخلت روسيا تحت راية ضرب الجماعات الإرهابية فى سوريا، وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابى، وبعد عدة أشهر تحقق لموسكو ما أردات، فالنظام السورى أعاد تموضعه من جديد، كما أن تركيا التى طالما كانت المهدد الرئيسى لدمشق وقفت على الحدود ولم تستطع التحرك داخل سوريا، كما تم تحييد الإدارة الأمريكية التى دخلت فى حوارات مطولة مع موسكو أنتجت الهدنة المؤقتة فى سوريا، وإطلاق حوارات جنييف بين النظام والمعارضة السورية، وبالتالى لم يعد للتواجد الروسى أى فائدة فى الوقت الراهن فكان قرار الانسحاب الذى اقتصر على القوات الجوية التى أدت مهمتها التى أوكلت لها.
كما لا يخفى على أحد أن القرار الروسى بالانسحاب جاء فى توقيت غاية فى الأهمية، فهو ترافق مع انطلاق مباحثات جنييف التى حاولت المعارضة السورية قبلها التلويح بفشلها قبل أن تنطلق، وكانت الضربات الروسية فى سوريا هى المبرر الذى اتخذته المعارضة للتذرع بفشل المفاوضات، فجاء قرار موسكو الأخير ليزيل هذا المبرر، وتكون المعارضة أمام موقف جديد لا تحسد عليه، فهى إما أن تنخرط فى المفاوضات بأجندة واضحة المعالم، أو أن يرفع عنها الغطاء الأمريكى الغربى الذى لن يرى أى مبرر لإفشال مفاوضات جنييف.
وربما يمكن ربط القرار الروسى بما فعله الرئيس الراحل محمد أنور السادات حينما أصدر التوجيه السياسى الاستراتيجى للقوات المسلحة قبل يوم من حرب السادس من أكتوبر 1973، فالأساس لدى السادات كان «إزالة الجمود العسكرى الحالى بكسر وقف إطلاق النار، اعتبارا من يوم 6 أكتوبر 1973»، ولم يكن الهدف هو استرداد سيناء بالحرب، لكن الحرب كانت أداة للوصول إلى الهدف الأساسى، وهو بدء مفاوضات تعيد كل الأراضى المصرية، وهو ما يبدو أن بوتين قد فعله، فدخول قواته فى سوريا لم يكن للقضاء على داعش أو الجماعات الإرهابية، وإنما تقويض قوتها، وتحريك العملية السياسة بعد إعادة التوازن للقوى المتصارعة فى دمشق، وبعد انتهاء المهمة قررت موسكو إعادة هذه القوات إلى أراضيها مرة أخرى.
ورغم حديث الصحافة الغربية بأن الانسحاب الروسى فاجأ الأمريكان، إلا إننى أميل لفكرة وجود تنسيق، بل وترتيب متفق عليه بين موسكو وواشنطن، ويمكن استنتاج ذلك من عدة مؤشرات منها الأحاديث واللقاءات المستمرة بين الجانبيين طيلة الأسابيع الماضية، ومن بينها بالطبع الاتصال الهاتفى الذى جمع بوتين بنظيره الأمريكى باراك أوباما مساء الاثنين، والذى تناول القرار الروسى، مع تأكيد الرئيسين على دعمهما لتفعيل عملية التسوية السياسية للأزمة السورية، بالإضافة إلى تأييدهما لمفاوضات جنيف بين الحكومة السورية والمعارضة وبرعاية أممية، والتى وفقا لنتائجها يمكن أن يحدد الشعب السورى بنفسه مستقبل دولته.
والأهم فى هذا الاتصال هو تأكيد الرئيسين على أهمية التنسيق المكثف للجهود الروسية والأمريكية، بما فى ذلك المجال العسكرى، للحفاظ على عمل الهدنة وضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدن والقرى السورية المحاصرة ومحاربة المجموعات الإرهابية بصورة فعالة، فهذا الاتفاق يؤكد وجود تنسيق مسبق بينهما.
هذه قراءة ربما تكون مختلفة للقرار الروسى، ولا يقلل من ذلك إعلان الروس عن تحقيقهم لانتصارات على الأرض طيلة الأشهر الست الماضية، ومنها تأكيد وزير الدفاع الروسى سيرجى شويجو بأن القوات السورية مدعومة بسلاح الجو الروسى تمكنت، منذ بدء العملية الروسية من تحرير 400 مدينة وقرية سورية، واستعادة السيطرة على أكثر من 10 آلاف كيلومتر مربع من أراضى سوريا، كما أن الطيران الحربى الروسى دمر فى سوريا حوالى 209 منشآت خاصة بإنتاج النفط، فضلا عن أكثر من 2000 شاحنة لنقل المنتجات النفطية، وقتل أكثر من 2000 مسلح، بمن فيهم 17 قائدا للمجموعات الإرهابية، تسللوا إلى البلاد من أراضى روسيا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة