لا أبالغ إذا قلت إن خطاب الدكتور أحمد الطيب، الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر، فى البرلمان الألمانى، أحد أهم الخطابات التاريخية التى مثلت الإسلام فى أوروبا، فأجلت الصدأ عن صورتنا، وأنارت الطريق إلى التفاهم والسلام والحرية، فكثيرا ما كنت أشبه طيب الذكر والخلق الشيخ أحمد الطيب بأهم وأعظم شيوخ الأزهر فى التاريخ، مثله مثل الشيخ مصطفى المراغى، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ مصطفى عبد الرازق، وغيرهم من أعلام مصر الخفاقة، فأتى خطاب الطيب فى البرلمان الألمانى، ليؤكد أن مصر ما زالت قادرة على ريادة المسلمين بالكلمة الطيبة والفهم العميق، والروح السمحة المتسامحة، والقلب العامر بالمحبة الدائمة للإنسانية كلها، وليس للمصريين أو للمسلمين أو للعرب فحسب.
هو خير خلف لخير سلف، ذهب الشيخ إلى ألمانيا والعالم كله محمل بشحنات سلبية تجاه كل ما هو إسلامى، فوقف أمام العالم الغربى طارحا رؤاه، فاتحا قلبه، باسطا يده للجميع، حدثهم بلغة يفهمونها، حدثهم بلغة العقل والمنطق، خاطب الخير فيهم لإيمانه بأن الخير أصيل فى الإنسان غير مستجلب، فنال احترامهم وتقديرنا. إننى أدعو وزارة الخارجية المصرية كما أدعو مجلس النواب المصرى، كما أدعو جميع من تفرض عليهم واجباتهم محادثة العالم الغربى، أن نتعلم من هذا الرجل أرفع قواعد الدبلوماسية، وأسس الحديث مع المختلفين، وقواعد البلاغة والحكمة والإيجاز فى آن واحد.
قال الإمام: «ما جئتكم واعِظًا ولا متغنيا بينكم للإسلام»، وقال الإمام: «لفظة السيف ليست من ألفاظ القرآن ولم ترد فيه ولا مرة واحدة»، وقال الإمام: «التعَدُّديَّة بينَ النَّاس واختلافُهم طبيعة قرَّرها القُرآن الكَريم»، وقال الإمام: «فالكثيرون فى الشَّرق العَربى والإسلامى لا يعرفون من الغرب إلا سياسة الكيل بمكيالين، ولَعَلَنا نبدأ معًا صفحة جديدة نعمل فيها على ترسيخ السَّلام العَالمىِّ»، وقال الإمام: «أدعوكم لإخماد نيران الحروب ووقف شلالات الدماء والفرار من الأوطان، وحل القضية الفلسطينية حلًا عادلاً يضمن السلام والاستقرار فى المنطقة، فهذه يدى ممدودة إليكم للعمل سويًّا من أجل هذه الأهدف الإنسانية النبيلة»، هذه بعض المقولات التى رددها الإمام الأكبر أحمد الطيب فى هذا المحفل الأوربى الكبير، والتى حملت فى طياتها بيانا للناس كافة، كما حملت عظمة التاريخ المصرى وعمق الفهم لروح الإسلام، ورسالة جديرة بأن تظل خالدة فى أذهان العالم عن الصورة الحقيقية لمصر وللإسلام.
هذا شيخنا، نقولها بكل فخر، هذا أحد أهم مصادر قوتنا وأحد أروع إنجازاتنا الحضارية، رجل يعمل تحت ضغط لا يحتمله أحد، محاصر بتطرف كامن فى كل أوصال المجتمع، يحمل عبء مؤسسة عملت فيها معاول الهدم ما عملت، وبين يديه مصير أمة فى أحلك لحظاتها، وفى عنقه عشرات الآلاف من العاملين والباحثين والطلاب الذين تنوعت مشاربهم وتفرقت بهم الآراء والمذاهب، وهو لا يؤمن بالبتر ولا يفضل الإقصاء، بل يمد يد التعاون والتفاهم والإقناع، يرفض التطرف حتى لو كان هذا التطرف سبيل نجاة عند البعض، يرفض أن يملى عليه أحد رأيا أو موقفا، ويقف فى خندقه ولو كان وحيدا، يزرع نبتاته الطيبة، ليغمرنا الريح «الطيب».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة