ينتقل الإنسان حينما يولد من حفرة مظلمة تدعى "الرحم" فى بداية حياته إلى حفرة معتمة أخرى هى "القبر" فى نهاية حياته، والإنسان بدأ حياته عرياناً وسيدخل قبره عرياناً لا شىء معه يستره سوى عمله، فقد ذهب عنه ماله وولده وجاهه وسلطانه ورتبه.. وأتى الإنسان للدنيا رغم أنفه وليس طواعية وسيخرج منها رغم أنفه كذلك.
وأتى إلى الدنيا ومصيره مجهول وسيخرج منها ومصيره مجهول كذلك ولولا رحمة خالقه به ورعاية الملائكة له ما استطاع أن يحيا هذه السنوات.
والإنسان دخل الدنيا بدون اسم حتى تختار له أسرته اسمه، وسيخرج منها دون اسم كذلك، فبعد موته لا يقولون هاتوا فلان ولكنهم يقولون " هاتوا الجثة "هاتوا المرحوم".
والإنسان دخل الدنيا وحيداً وسيخرج منها وحيداً، ويعيش حياته فى غرفة عبارة عن مترين فى ثلاثة أمتار ويدفن فى قبر مساحته متراً فى مترين.. ولو قارنت مساحته التى يشغلها فى الحياة والموت بمساحة الكرة الأرضية التى تبلغ مساحتها 500 مليون م 2 أو مساحة الشمس التى تعادل مساحة الأرض مليون و300 ألف مرة لعلمت أنه لا يساوى شيئاً مقارنة بالكون الذى يعيش فيها، وصدق الله حيث يقول "لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ".
أما عمر الكرة الأرضية فيبلغ 3 مليارات سنة، وعمر الشمس 4.7 مليار سنة، وعمر الكون المنظور الذى يعرفه العلماء 15 مليار سنة، ومتوسط عمر الإنسان فى أمة الإسلام كما أخبر النبى " صلى الله عليه وسلم "أعمار أمتى من الستين إلى السبعين عاماً"، ومتوسط عمر الإنسان المصرى قريباً من ذلك فى هذه الأيام.
فأين عمر الإنسان من عمر الأرض أو الشمس أو الكون.. إذاً كل واحد منا عارض فى هذا الكون وليس أصيلاً ولا أساسياً فيه، ورغم ذلك ترى البعض يظن أنه مخلد فى الأرض فيسرق أو يطغى أو يبغى أو يظلم أو يرتشى أو يكذب أو يفجر أو يلحد ويجحد ربه وكأنه لن يلقى الله قريباً أو أبداً.. فماذا لو كان عمره مثل عمر الأرض أو الشمس.
وحينما يولد الإنسان يؤذن فى أذنه اليمنى وتقام الصلاة فى أذنه اليسرى ولذلك يودع الدنيا ويصلى عليه الناس صلاة الجنازة بلا أذان ولا إقامة لأنها تمت حين الميلاد.
والإنسان عادة يغتر بعلمه القليل ويتيه به فخراً ويتطاول به على أقرانه مع أن علمه عن الفترة قبل خلق آدم معدومة، وعلمه عن الآخرة معدوم.
أما علم الإنسان والعلماء جميعاً عن الكون فلا يزيد عن 2% منه، وعلم العلماء عن DNA فلا يزيد عن 2% من أسراره، وعلمنا عن الروح فمعدوم أيضاً " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ". ولذلك كله يصدق فينا قوله تعالى :" وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" فلا داعى للغرور والعجب والكبر والبطر الذى يصيب الكثيرين.
فالإنسان لا يساوى شيئاً فى الكون مقارنة بزمانه ومكانه وعلمه.. ولكنه سيصبح شيئاً عظيماً إذا أحيا نفخة النورانية الربانية ونفحاتها التى وهبها الله له والتى تعلمها من رسالات السماء، وتوجه إلى السماء وتشرف بعبودية الله، واستضاء بنور الرسالات، وتواضع للحق "سبحانه" وللخلق، وعاش بقلبه مع ربه وأحب المحبوب الأعظم سبحانه لتنبثق فى قلبه مع هذا الحب جميع المحاب، ودار حول رسالات السماء ولم يدر حول ذاته، ولم يجعل من نفسه قضية يخاصم ويجادل ويثأر وينتقم من أجلها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة