الحديث الذى أدلى به باراك أوباما منذ عدة أيام لمجلة «ذى أتلانتك»، هو أخطر حديث لرئيس أمريكى فى النصف قرن الأخير، تحدث بصراحة إلى درجة الوقاحة، وأراد أن نقول له وهو يقضى أيامه الأخيرة فى البيت الأبيض «فى ستين..»، فقد كنت الأسوأ أنت وجونسون وبوش الابن.. وإليكم التفاصيل:
الجزء الأكبر من حديث أوباما الذى استغرق 36 صفحة كان من نصيب السعودية، فقد قال: «المنافسة بين السعوديين والإيرانيين ساعدت على إذكاء الحروب فى المنطقة بالوكالة والفوضى، ونقول لهما تعايشا معًا وتوصلا إلى نوع من السلام البارد، وأن يتقاسما النفوذ فى المنطقة»، وفى موضع آخر: «ليس من مصلحة واشنطن اتباع سياسة خارجية عن طريق تقديم الدعم للسعوديين»، و«بعض حلفائنا فى الشرق الأوسط تواقون إلى جر الولايات المتحدة ويمتطون ظهور الآخرين، لندخل بالوكالة حروبًا ليست فى مصلحة أمريكا».
وفجرت هذه التصريحات موجة من الغضب العارم فى الأوساط السعودية، بلغت ذروته فى مقال للأمير تركى الفيصل، رئيس المخابرات السعودية الأسبق، نجل الملك فيصل، هاجم فيها أوباما بضراوة، وقال له بصريح العبارة: «هل أنت مستاء من دعم المملكة للشعب المصرى الذى هب ضد حكومة الإخوان المسلمين التى دعمتها أنت»، وكال له الأمير السعودى اللكمات: «نحن لسنا من يمتطى ظهور الآخرين»، وعدّد مواقف السعودية الداعمة لأمريكا فى المنطقة، واتهمه صراحة بتأجيج الصراع الطائفى فى سوريا والعراق واليمن.
بات السؤال المطروح هو: هل تنفك الشراكة الأمريكية السعودية التى استمرت 80 عامًا؟.. معظم التحليلات تستبعد ذلك، وتأمل أن تفوز هيلارى كلينتون بالرئاسة الأمريكية، أما إذا فاز أحد المرشحين الجمهوريين الثلاثة، فلن يتعاطفوا مع المصالح السعودية والعربية بسبب آرائهم وخلفياتهم، ولكن فى كل الأحوال فقد حدث شرخ عميق، ليس وليد تصريحات أوباما الفجة، إنما نتيجة لعدم انصياع الرياض لسياسات واشنطن فى المنطقة، واتخاذ مواقف أثارت غضب البيت الأبيض.
كانت السعودية شديدة الوضوح فى الوقوف بجوار مصر فى 30 يونيو، عكس ما ترتئيه إدارة أوباما، وعبرت الرياض عن استيائها الشديد للطريقة المهينة التى تعاملت بها الإدارة الأمريكية مع الرئيس الأسبق حسنى مبارك الذى كان حليفًا لأمريكا على مدى ثلاثة عقود، مما رسخ انطباعًا بأن أمريكا لا تؤتمن، ويمكن أن تبيع حلفاءها فى أى وقت.
وعندما أرادت واشنطن أن تمد الربيع العربى إلى الخليج، واستخدمت إيران والشيعة للانقلاب على الحكم فى البحرين، تصدت السعودية للمخطط الشيطانى بمنتهى الحسم، وقادت جيوشًا خليجية ضربت التمرد، وأعادت الأمن والاستقرار للبحرين، وأفسدت الفوضى الخلاقة وأوقفتها خارج أبواب الخليج.
أما الصداقة غير البريئة بين واشنطن وطهران، فهى الجرح الغائر فى جسد العلاقات الأمريكية السعودية، فقد تحولت أمريكا الشرسة، التى تجهز جيوشها القدرات النووية لإيران، إلى حمل وديع، وتسمح لإيران بإسقاط أربع عواصم عربية تحت سيطرة طهران، هى بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت، وتأمر بالإفراج عن أرصدة إيران، لتضخ فى عروقها قرابة 180 مليار دولار، وأخيرًا ينصح أوباما السعودية بأن تتقاسم النفوذ مع إيران فى المنطقة، ويقول: «أمريكا سوف تنسحب سياسيًا وعسكريًا من الشرق الأوسط لمناطق أكثر أهمية فى آسيا».
أمريكا ستترك الشرق الأوسط.. بعد إيه؟.. بعد خراب مالطا، وتدمير المنطقة، وإشعال الفتن والحرائق، بعد أن جربوا فى دولنا وشعوبنا «تحشيشة» الفوضى الخلاقة، أو ما أسموه «جنة الديمقراطية» التى تحولت إلى «جهنم»، بعد أن ذبحوا مستقبل الشعوب وأمنها واستقرارها.. أوباما «فى ستين ...».. وللحديث بقية.