مع اقتراب تقديم الحكومة لبيانها أمام مجلس النواب الجديد فلا تتعجب إذا رأيت فريقين اختصما فى البرلمان أو أصابتهما مصيبة بأيديهما أو اشتعلت فتنة بينهما، بدأوا حرب الكل ضد الكل وهم بذلك يسترجعون مآسى الفتنة الكبرى وما كان بين ملوك الطوائف فى الأندلس من الفرقة والعداوة والبغضاء.
تلك سنتهم فى أرضهم ولا يريدون لها تبديلا وفى حرب الكل ضد الكل يسقطون العقل ويفكرون بالآذان ويمتشقون اللسان، ويرفعون قميص عثمان وينطلقون. يهادنون العدو، ويتفرغون لحرب أنفسهم ويقتتلون ولا يقاتلون وينشرون كل الصحف، وكل شىء يقال فى المجلس الموقر، ما يجوز وما لا يجوز، وكل قيمة تستباح وكل حرمة تنتهك وكل دم يستحل ويسبون آباءهم ويتنابذون بالألقاب، ولكن بقى الدستور والقانون فى المجلس هو محرك الرأى العام والسلوك السياسى فى مصر بحيث أصبح حقيقة واقعة، حقيقة أن ذلك الوضع قد باد جسمه ولم يبق منه إلا رسمه، وهو الذى لا تزال تلحظه إذا أمعنت النظر فى خلال حديث من يحادثك فى السياسة أو الاقتصاد.. إلخ من بعض سياسيى المصادفة الذين لا يزالون يدعون: "ربنا اصلح" وتلك هى الجملة التى تختم بها عادة المناقشات كل يوم.
ذلك هو الشبه الباقى بين الرأى العام قصير النظر فى النصف الأول من عام ثورة 2011 الخامس وبين الرأى العام فى النصف الأول من عام ثورة 2013. هذا الرأى العام الجديد الذى هو الآن مزيج تلك الآثار القديمة المعروفة بفلول النظام السابق، ومن أشعة النور التى نفذت إلى عقولنا، والفيض الروحى الذى انتشر فى قلوبنا بفضل ثورة يناير2011 وثورة يونيو2013، ذلك النسيج الذى لم تتجانس أجزاؤه تمام التجانس إلى الآن يظهر أثره فى المجلس الموقر والإعلام المتخبط بصورة جلية ظاهرة يريد أحدها أن يقضى على عادة من العادات التى التصقت بالوطنية وليست منه ولكنه يخشى أن تثير على نفسه ثائرة بعض الفقهاء
وقد يفهم مما ذكرت أن المجلس الموقر والرأى العام فى بلدنا لا يزال يفهم الحرية والديمقراطية والاستقلال الذاتى للشعب فهمًا ناقصًا على صورة غير مستكملة جميع المحاسن، وأن هذه الحكومة الحالية لا تعكس نتائج الدفع الثورى.. كلا.. بل أقول أن حالتنا الحاضرة هو حالة استثنائية ليست الأمة فيها أمام حكومتها فقط. بل أمام حكومتها زائد عليها شعب بأكمله، كان من المفترض أن يدخل وجوده التوازن بين قوة الأمة وقوة حكومتها. وعليه أصبحت مجهودات الأمة نحو الديمقراطية متضاعفة أضعافًا كثيرة، فإذا كان يجب علينا فى عدم وجود شعب قد تنفس الحرية، أن نصرف جهدًا واحدًا لنيل الحرية والديمقراطية من خلال الممارسة السياسية والانتخابات الحرة فإنه، فيجب علينا الآن أن نصرف مجهودات كثيرة مع وجود مجلس للنواب.
من أجل ذلك كان شكل حكومتنا الحالية لا يعطى صورة الأمة بعد انتخاب المجلس تماما لاختلال التوازن بين القوتين ومن أجل ذلك كنا مظلومين.
ولكن القوى لا يمكن أن يكون قويا إلى الأبد، والضعيف لا يمكن أن يبقى ضعيفا إلى الأبد.. بل إن الرأى العام فى مصر على ما فيه من بعض العوج وما يثقله من تلك الازدواجية بين الشعب ممثل فى مجلس النواب والحكومة، قد أظهر قوة شديدة فى كثير من أحداث نعلمها جميعا منذ قيام ثورة 2013 فاضطرت السلطة الحاكمة فى مصر أن تجرى خلفه فيها.
فكلما زاد الرأى العام قوة من خلال المجلس الموقر فى التأثير ازدادت الحكومة عملاً واجتهادًا حتى يحدث التوازن بين القوتين السلطة الحاكمة والشعب، ثم تزيد قوة الرأى العام بحكم الرقى الطبيعى لمجلس النواب، فتظهر سلطة الأمة بأجلى المظاهر وأقواها من خلال التشريعات القادمة على كل المستويات لصالح الشعب المصرى، حتى تتجنب مصر الانزلاق فى حرب الكل ضد الكل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة