فجأة تجد شخصًا ما يجذبك من ذراعك يدعوك أن تشاهد عرضًا فنيًا بلا سابق موعد، أو ترتيب منك، أو حتى مُقابل، هكذا كان حال الدول المهتمة بالشأن السورى حينما قررت موسكو أن تقدم عرضها المفاجئ فى سماء سوريا سبتمبر 2015 حددت موعد العرض، وهيأت المسرح الملائم، وانطلقت لترفع الستار، والعالم فاغر فمه منتظر وقائع العرض فى دهشة .
فلم تكن سوريا إلا مسرحًا مناسبًا لتقديم العرض، واستعراض مهارات الدب الروسى، ليثبت لغابة المجتمع الدولى أنه لم يعد فى الإمكان الاستمرار فى تجاهل القدرات الروسية على صياغة صوت ينافس الصوت الأمريكى على الساحة الدولية، ويساهم فى حل الكثير مما فشل القطب الأوحد فى حسمه .
على مدار ستة أشهر استمرت خلالها العمليات العسكرية الروسية على الأراضى السورية بأسبابها المعلنة، وهى محاربة الإرهاب بناء على طلب الحكومة الشرعية لدمشق متمثلة فى الحليف الأهم بشار الاسد، وكما جاء التدخل مفاجئًا لجمهور المشاهدين جاء أيضًا إنهاء العرض مفاجئًا للجميع.
وقدم الكثير من المحللين والخبراء أسبابًا للانسحاب الروسى المفاجئ، فالبعض خاصة الرافضين لبشار الأسد يرون أن الانسحاب ما هو إلا محاولة من روسيا لحفظ ماء الوجه لفشلها فى سوريا، والبعض رأى أن الانسحاب صفعة لنظام الأسد من الصديق الروسى، ورسالة مفادها أن الدعم الروسى له حدود .
بينما الإجابة عن السؤال.. ماذا حققت روسيا من التدخل فى سوريا؟ قد تتيح فهم أعمق قرار الانسحاب الروسى، وهل ما زالت روسيا فى حاجة إلى التواجد بنفس الأعداد، والقدرات العسكرية التى جاءت بها فى أواخر العام الماضى.
أولاً.. نجحت فى دعم موقف بشار الأسد أمام المعارضة المدعومة من أمريكا والسعودية، وتفويت فرص الإطاحة به، وزيادة فرص بقائه فى المرحلة الانتقالية
ثانيًا.. نجحت فى إثبات الكفاءة العسكرية الروسية، واختبار كفاءة، وأداء أسلحة روسية فى ميادين القتال أهمها صواريخ "كاليبر" التى وصلت لأهدافها من مسافة 1500 كلم، وقنابل "كاب"، ومقاتلات "سوخوى-34"، و"سوخوى-35".
ثالثًا.. ضمنت تواجدا عسكريا روسيا دائما فى المنطقة من خلال قاعدة عسكرية روسية بحرية فى ميناء طرطوس السورى، وقاعدة جوية، ومركز لجمع المعلومات الاستخباراتية فى اللاذقية.
رابعًا.. التدخل الروسى غير المتوقع فى سوريا وضع روسيا فى خانة الفاعل على الساحة الدولية، وأصبح التشاور، والتنسيق مع الجانب الروسى عاملاً أساسيًا فى عملية التفاوض الخاصة بالوضع السورى، وأصبح ضروريًا على واشنطن الترتيب مع موسكو للوصول لحل للأزمة السورية.
خامسًا.. روسيا وضعت قدمًا فى الشرق الأوسط، ومن غير المتوقع أن يتنازل "بوتين" عن أحلامه فى دور روسى عالمى أكبر انطلاقا من الشرق الأوسط، وإعادة الاعتبار للدب الروسى.
سادسًا.. حرص روسيا على عدم تحويل سوريا إلى مستنقع أفغانى جديد للقوات الروسية، لذلك كانت العملية العسكرية فى سوريا قصيرة الأمد من البداية.
ووصف خبير بمركز كارنيجى قرار "بوتين" بانسحاب القوات الروسية من سوريا قائلا: "إذا تحول وقف إطلاق النار إلى سلام طويل الأمد، سيعتبر هو المنتصر تلقائيًا. لكن إذا تفجرت الحرب من جديد يمكنه أن يقول: أترون. عندما كنا هناك كان الجميع يحاول التوصل للسلام لكن بعد رحيلنا تفجرت الحرب." بما يعنى أن "بوتين" هو الرابح فى كل الأحوال.
وجاءت تصريحات "بوتين" الخميس 17 مارس أثناء تكريم عدد من العسكريين الذين شاركوا فى العملية الجوية فى سوريا متوافقة مع الدور الذى يريده "بوتين" لموسكو حيث أكد أن روسيا قامت بتهيئة الظروف للعملية السلمية، وفتحت الطريق إلى السلام فى سوريا، وأضاف: تمكنا من إقامة تعاون إيجابى، وبناء مع الولايات المتحدة، وغيرها من الدول، وكذلك القوى المعارضة المسئولة داخل سوريا التى تريد وقف الحرب، وإيجاد الحل السياسى الوحيد الممكن للأزمة
والسؤال الأكثر إلحاحًا الآن هل سيؤثر الانسحاب الروسى إيجابيًا على مفاوضات جينيف؟
أغلب الأطراف رحبت بالقرار الروسى، وابتهجت المعارضة السورية بالقرار، لأنها ترى فيه ضغطًا على الأسد ليقدم تنازلات فى المفاوضات الجارية الآن بين الحكومة السورية، وممثلى المعارضة المعتدلة فى جينيف.
صحيح أن الانسحاب الروسى قد يشكل ضغطًا على الأسد ليقدم تنازلات حول التسوية السياسية لكنه لن يصل إلى تنازل "الأسد" ذاته عن الحكم، والأرجح أن قرار الانسحاب الروسى قد يشكل عامل ضغط مزدوج على الأسد، والمعارضة معًا، على الأسد كما سبق، وقدمنا.
أما على المعارضة فيجب أن تقابل تنازلات الحكومة بمرونة، وتنازلات أيضًا من جانبها، فهكذا تسير المفاوضات لذلك تخشى المعارضة أن يطلب منها الجانب الأمريكى تقديم تنازلات كى لا تظهر فى صورة الطرف المتعنت الرافض للتفاوض حتى يتم التوافق على حل سياسى يجنب سوريا ويلات حرب مستمرة منذ سنوات.
أما عن قدرة مفاوضات جينيف على خلق أرضية مشتركة لعمل الحكومة، والمعارضة معًا خاصة مع تمسك الطرفين بموقفهما من الأسد.. فالأيام القليلة المقبلة تتكفل بالإجابة.
21 مارس...
- إلى كل أم سورية نالت ما نالت من ظلم.. وقهر.. وحزن.. ووجع.. وفراق.. وشتات.. ونزوح.. ولجوء.. وصبر.. كل عام وأنت بخير، وقادرة على التحمل.
- كل عام وأمى بخير.. كل عام وأنت أجمل صباح ينور حياتنا.. كل عام وكل أم بخير.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
طارق من السعودية $
أتمنى من اليوم السابع النشر $
عدد الردود 0
بواسطة:
moh
عندك حق