الأيام دول.. فقد تعلموا منا فى الماضى ونحن نتعلم منهم الآن
كان لسان حال الزيارة الرئاسية إلى اليابان لكل من تابعها وشاهد النهضة الكبرى التى حققها اليابانيون منذ عصر النهضة الذى بدأ مع حكومة ميجى عام 1868، يقول «أيها الأصدقاء اليابانيون.. لقد تعلمتم من نهضتنا وتجربتنا فى الماضى.. ونحن جئنا نتعلم منكم فى الحاضر..».
ليس عيبا أن تتعلم ممن تعلم منك بالأمس.. كنت أستاذه ومرشده وقدوته ونموذجه.. والآن التلميذ تفوق على الأستاذ، وتجاوزه بمراحل كثيرة، بل أصبح فى كوكب آخر من الرخاء والتنمية والرفاهية بعيدا عن أسباب التخلف والتقهقر والغرق فى المشاكل الاقتصادية والفساد، ليس عيبا أن نتعلم ونتخلص من عقدة حضارة «السبعة آلاف عاما»، ونستلهم تجارب الآخرين مثلما فعلت اليابان فى الماضى لتكوين دولة حديثة تحت شعار «دولة قوية وشعب غنى».
فى القرن التاسع عشر كانت مصر المعلم، وكانت اليابان التلميذ الذى يريد أن يتعلم، فيرسل البعثات الواحدة تلو الأخرى إلى مصر للوقوف على أسباب تقدم ونهضة مصر، لتستفيد اليابان من تجاربها المختلفة التى خاضتها للنهوض، وتتصدر معظم دول العالم متفوقة على الكثير من الدول الأوروبية، منذ عهد محمد على وحتى عصر الخديوى إسماعيل جاءت البعثات اليابانية لدراسة التجربة المصرية. استقلوا القطار من السويس للقاهرة، ثم من القاهرة إلى الإسكندرية فى الوقت الذى لم تكن اليابان قد عرفت القطارات، أبدوا إعجابهم بالعديد من الأشياء التى شاهدوها فى رحلتهم.
للأمانة التاريخية اليابان أرسلت بعثات أخرى إلى فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، لكنها ركزت على مصر.
بنت اليابان حضارتها التى يعرفها وشاهدها الرئيس السيسى فى زيارته، وأخذت بأسباب النجاح بالتعلم من تجارب الآخرين الناجحة وأخذ الإيجابيات وتجنب السلبيات، كان هناك وضوح للرؤية وتحديد للأهداف ووضع آلية وجدول زمنى محدد للتنفيذ، فعلى سبيل المثال قامت أول وزارة للتعليم فى اليابان عام 1876م بوضع خطة للقضاء على أمية القراءة والكتابة فى مدة 20 سنة، وبالفعل نجحوا فى القضاء عليها تماما عام 1896م.
من هنا نأتى للتعليم الذى ركز الرئيس عليه فى زيارته ومباحثاته مع المسؤوليين اليابانيين للاستفادة من منظومة التعليم اليابانى فى مصر. فالتعليم هناك تعمل على تنمية مهارات الطلبة وتحفيزهم وتشجيعهم على حب العلم والقراءة منذ الصغر. وهناك أيضا أنه لا توجد فوارق بين مدرسة وأخرى، فالمواصفات واحدة عند بناء المدارس، والمواصفات موجدة لكل من يعمل فيها من مدرسين ومديرين وعمال، مما يجعل المستويات متقاربة جدا بين الطلاب.
كان ومازال من أسباب نجاح اليابان فى تحقيق النهضة العمل بروح الفريق والإتقان والتفانى فى العمل، فالعامل أو الموظف اليابانى فى مصنعه أو وظيفته، يشعر أن مردود عمله يكون له فقط، لأنه يوقن تماماً أنه لو أخلص العمل فسيخلص الآخرون، وينعم بثمرة هذا الإخلاص فى كل نواحى الحياة من تعليم وصحة ومواصلات وصناعة وزراعة وغيرها. ثم احترام الوقت، فالكل يحافظ على مواعيده لكى تنجح المنظومة. فهناك مواعيد للقطارات والأتوبيسات وكل وسائل المواصلات.
فى اليابان يشعر المواطن بما تبذله الدولة من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، حيث يتمتع بالتعليم وبالنظام الصحى المناسب، بالإضافة للسكن، كما يتم تطبيق نظام الإعفاء الضريبى على محدودى الدخل. فالهدف ليس فقط أن يستطيع البسطاء الحياة، بل الهدف أن يكونوا سواسية مع الأغنياء فالمستشفى واحد والمدرسة واحدة وأماكن الترفيه واحدة، ومن ثم لا يحقد الفقير على الغنى، لأنه يعلم جيدا أنه يستفيد من أموال الضرائب التى يدفعها الأغنياء.
الأيام دول فقد تعلموا منا فى الماضى، ونحن نتعلم منهم الآن، ومن يدرى إذا أخذت مصر بأسباب النجاح، ربما تتعلم منا اليابان فى المستقبل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة