أسطورة «العائد من الموت»
من الجيد أن نعرف بأن العالم به دول كبرى مهمة جدا غير أمريكا وروسيا والبلاد الأوروبية، فهناك الصين واليابان وغيرهما من بلاد آسيا ممن استطاعت أن تحقق أحلامها وتسير على منهج علمى صارم حتى أصبحت فى المكانة التى تريدها على خريطة العالم، ومن الجيد جدا ما تفعله مصر فى أنها تقيم علاقات مع هذه الدول غير الممتلئة بالحقد ناحيتنا ولا بالرغبة فى استغلالنا، لكنها تنطلق من باب المصلحة المتبادلة والمنفعة الثنائية.
وعلى المستوى الشخصى أعتبر اليابان هى التجربة الأكثر نجاحا فى آسيا، بسبب تاريخها الحديث المؤلم، فهى بمثابة الأسطورة الحقيقية لطائر الفينيق الخارج من رماد الموت للحياة كى يصنع مستقبله من جديد، فبعد الحرب العالمية الثانية التى انتهت بسبب الوحشية الأمريكية بإلقائها قنبلتين ذريتين على مدينتى هيروشيما ونجازاكى فى أكبر كارثة يصنعها الإنسان بشكل واع، وقد اعتقد الكثيرون أن اليابان انتهت للأبد وأن شعبها سيجلس ينتحب ويبكى ويستجدى العالم كى يدين أمريكا ثم يسعى لطلب تعويضات يعيش على إثرها سنوات قليلة، ثم يعاود الشكوى والبكاء، فالوضع الذى بدأ بتوقيع الإمبراطور اليابانى وثيقة استسلام والعام الذى تلا ما حدث فى الحرب الذى يصفه الجميع بالأسوأ فى التاريخ اليابانى، حيث انهار الاقتصاد، وأصبح هناك نقص حاد فى الإنتاج والسلع والغذاء، مما أنذر بمجاعات واسعة النطاق تتسبب فى هلاك مئات الآلاف، وانتشرت الأسواق السوداء مع ارتفاع هائل فى الأسعار، ثم قامت أمريكا بتسريح الجيش اليابانى بالكامل، مما أدى إلى وجود نحو 5 ملايين عاطل فى فئة واحدة، وأصبح العدد النهائى الذى كان مطلوبًا من الدولة اقتصاديًا استيعابه هو عشرة ملايين عاطل، ليس هذا فحسب فالإحباط العام ألقى بظلاله على الجميع، وأصبح الاستسلام والضياع التام هو الأمر الوحيد المتوقع حدوثه الذى ينتظره الجميع.
لكن ما حدث بعد ذلك كان أمرا مغايرا ومختلفا، فالخبراء والمتابعون يؤكدون أن اليابان استطاعت بكل وعى أن تغير جلدها تماما، فبعد أفكارها التوسعية وإمبراطوريتها التى استولت واحتلت بلادا كثيرة ثمانية أضعاف مساحتها الحقيقية وبعد قدرتها على هزيمة الجيش الروسى والجيش الصينى، وجدت نفسها بعد الحرب العالمية ساقطة تحت الوصاية الأمريكية، ولا تملك جيشا عسكريا، لذا فكرت فى بناء جيش من البنائين والواعين بمستقبل بلادهم.
لذا فإن تواصلنا مع هذه التجارب الإيجابية بالطبع سينعكس بشكل مباشر على خططنا المقبلة، لكن علينا أن ندرك أن المطلوب ليس النقل الحرفى للتجربة، لكن الاستفادة منها حسب ظروفنا وحسب أوضاعنا، فقط علينا أن نبدأ.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة