رغم ما عانت منه مصر فى الآونة الأخيرة من نقص فى مواردها إلا أن ليس هكذا حال عدد لا بأس به من المصريين! فتقريبا 50? من المواطنين راضين عن دخلهم اليومى ويعيشون فى مستوى لا بأس به فكلهم لديه هاتفاً محمولاً ولديه "ديش" وتكييف هواء فى منزله وكثيرون يمتلكون السيارات وهناك طبقة لا تقل عن 20? ان لم تزد تسكن القصور الفاخرة وتركب السيارات الفارهة تعيش فى مستوى مرتفع وتصرف ببذخ! ولا نعرف مصادر هؤلاء ففى الأغلب مصادرهم غير معلنة، ولا يخضعون للمحاسبة الضريبية تتلخص هذه الظاهرة فى كلمة "اقتصاد الظل" والمشكلة فى هذا النوع من الاقتصاد غير المعلن فى المقام الأول هى تهربه من الضرائب فى ظاهرة من عدم الأمانة وعدم الوطنية وقطعاً هذا المتهرب من الضرائب سيتهرب من العطاء للدولة على أى صورة، فى حين نجد الأفراد فى أعتى الأنظمة الرأسمالية التى بها أعلى نسب ضرائب مفروضة ليس فقط لا يتهرب أحد من دفع هذه الضرائب بل قسم هؤلاء الرأسماليون فيما بينهم تبنى جزء كبير من الخدمات العامة عن طريق التبرعات فيقيمون الجامعات والمراكز البحثية وكلها مؤسسات غير ربحية اقيمت فقط للخدمة العامة حتى مصاريف الجامعة تقسط من الطالب للجامعة بصورة أقساط طويلة الأجل، بحيث يبدأ الدارس السداد بعد التخرج وبعد حصوله على عمل بصورة تؤكد أنها منظومة تهدف للخدمة العامة دون الربح فى معاونة لدول غنية من الأساس ولا تحتاج معاونة ذلك فقط بالحس الإنسانى والوطنى وثقافة العطاء. أما العلاج فهو قصة أخرى منظومة متكاملة أيضاً فالأغلبية العظمى تحت مظلة التأمين الصحى ومن لا يظلة التأمين لا يفوته دوره فى العلاج كاملاً ثم تأتى مطالبته بالفواتير التى يستمر تخفيضها للحد الذى يتمكن من دفعه أو ينتهى الأمر أن يقوم السداد عن غير القادرين من أموال الضرائب فلا ظلم للمستشفى ولا ظلم للمريض. وإعانات البطالة أيضاً تتحملها أموال الضرائب التى تقيم كل الخدمات العامة. هو نظام اقتصادى اجتماعى أمين مدروس متكامل ومتكافل .
ولا يستطيع احد تخيل مقدار التبرعات فى هذه المجتمعات للدرجة التى وصلت لتبرع مارك زوكربيرج منشئ موقع فيس بوك لمجتمع غنى بـ99? من ثروته .
هذه شعوب تثقفت على العطاء دون مقابل شاهدت بعينى محال كبرى قائمة على التبرعات تسمى بمحال النوايا الحسنة " good wills " يتبرع كل مواطن مهما كان بسيطاً من بيته بمايزيد عن حاجته للأكثر فقراً تعرض هذه الأشياء فى هذه المحال بأجور زهيدة يتم التبرع بها بدورها .
اما هنا فى بلادنا فلسنا فقط لا نعترف بثقافة العطاء ولكنا لا نعترف بالأهم وهى ثقافة أعطاء كل ذى حق حقه وهى إعطاء الدولة ما يُسْتَحَقُ من ضرائب ويكتفى الأغنياء ببناء المساجد ويظنون انها أكثر ثواباً عند الله من بناء مستشفى أو مدرسة أو من دفع الضرائب! أو يقدموا التبرعات للجمعيات الشرعية والجمعيات الخيرية بالقدر الذى يريدونه كى يقال إنهم يسارعون فى الخيرات أو يذهبون لأداء العمرة بعد العمرة والحجة بعد الحجة وهكذا أرضوا ضمائرهم وكفروا عن سيئاتهم! والكل متهرب من حق الدولة! ولا أرى فى نظام الزكاة إلا نظام ضريبى أقره الإسلام من أكثر من 1400 سنة وهو حق للدولة ولا أدرى لماذا يمتنع الأزهر عن أن يعلن أن الضرائب بمثابة زكاة للمال واجب تأديتها وتغنى عن الزكاة فينتهى ما يشوب اقتصادنا من اضطراب ويتوقف الناس عن التهرب الضريبى والاكتفاء بإخراج ما يحلو لهم لمن يحلو لهم على سبيل الزكاة شاؤوا ذلك أو منعوه فى ضرب من اللانظامية ينتهى بضياع ثلاث أرباع المال المُخْرَج !!! لماذا لا يقولها الأزهر صراحة وهو المسموع المطاع "مال الدولة أحق أن يقضى" وهو الوجه الأثوب قبل الجوامع والحج والعمرة !!
لا تقنعنى أن تكون مصر دولة مديونة ومواطنيها أغنياء! هذا شىء غير منطقى المنطق يقول إن الكل يعمل بصورة غير رسمية ولا يبلغ عن عمله ولا يؤدى حق الدولة من الضرائب وزاد الطين بلة أنه يستكثر أن "يصبح على مصر ولو بجنيه" مدعيا أن التسول لا يقيم الأوطان والعالم الغنى يدفع ضرائبه ولا يبخل أن يتبرع بأغلب ثروته لوطنه فهل سرقة حق الأوطان هى التى تقيمها!! ليس غريباً أن ينكر العطاء من ينكر الحق!
فى النهاية أجدنى مضطرة لاستعارة كلمة والدى الشهيرة "أيها الخجل أين حمرتك" !!!
فقط أريد أن أذكر هؤلاء المتهربين من الضرائب والمتهربين من العطاء أن المصلحة الخاصة جزء من المصلحة العامة فلا تظنون أنكم ستعيشون أغنياء ميسورين سعداء فى بلد فقير ...
* استاذ بطب قصر العيني.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة