قصة نائب بالتسعينيات هدد بإطلاق النار على وفد الكنيست
كتاب التاريخ دائما هو الملهم، هو المرجع، هو الأساس الذى نرتكز عليه لقراءة الأحداث ومعرفة ما كان وماذا يجب أن يكون، كيف تعامل من سبقنا وكيف يتعامل من يعيش وسطنا، لأنه بدون التاريخ نصبح والعدم سواء.واقعة لقاء توفيق عكاشة بالسفير الإسرائيلى، قابلها البعض بأنه نائب برلمانى وله الحق وعلاقاتنا مع إسرائيل قائمة وفقا لمعاهدة السلام، بل وللعجب أن البعض انتقد تصرف النائب كمال أحمد بضرب عكاشة بالحذاء فى الجلسة العامة لمجلس النواب.. لكل من تابع تلك القضية من بدايتها ويريد قراءة التاريخ لها، أدعوكم للرجوع إلى العام 1993، وكان يتردد وقتها أن وفدا من الكنيسيت الإسرائيلى بصدد زيارة البرلمان المصرى، ولم يكن المشهد السياسى وقتها بنفس سخونة هذه الأيام أو حتى سخونة الأيام الأخيرة فى عهد مبارك، إلا أن أحد أهم النواب فى برلمان التسعينيات وهو النائب إبراهيم عبادة عضو مجلس الشعب عن دائرة ههيا بمحافظة الشرقية، اعترض بشدة ورفض أن يستقبل مجلس الشعب ولو عضوا واحدا من الكنيست الإسرائيلى، بل ووقف أمام المجلس رافعا سلاحه، مهددا بإطلاق النار على أى عضو إسرائيلى يقترب من البرلمان.
عبادة فعل ذلك، وهو يردد أنه من مصابى عمليات حرب 1973، فهو أكثر من شعر بمعنى «العدو» الذى قتل ودمر وخرب الأخضر واليابس، هو أكثر من شعر بمعنى العبور والتحدى، هو من سمع عن قرب طلقات الرصاص والمدافع، هو من حمل على كتفه جنديا شهيدا قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، هو يحمل كل هذه الذكريات والمشاعر التى لا يعرفها عكاشة، ولا يؤمن بها، وأنا على يقين أنه لو عبادة كان عضوا بالبرلمان الحالى لاتخذ موقفا أكثر قسوة من موقف كمال أحمد، ولوقف فى شارع مجلس الشعب مانعا عكاشة من دخول البرلمان بعد لقائه بالسفير.
ستدور الأيام، وقد ينسى البعض واقعة السفير الإسرائيلى، لكن لن ينس التاريخ ما فعله توفيق عكاشة وفى المقابل ما فعله إبراهيم عبادة، سيسجل التاريخ عبادة كنائب برلمانى حافظ على البرلمان وهيبته ووطنيته وانتمائه، بينما عكاشة أهان البرلمان وهيبته ووضع المجلس فى حرج، بل وصنع أزمة إعلامية فى وقت تحتاج فيه البلاد الاستقرار والعمل على تشريعات وقوانين حقيقية.
أعتقد أن نموذج عكاشة سينتهى قريبا، ستنتهى ظاهرته الإعلامية قبل ظاهرته البرلمانية، لأنه لا الإعلام المصرى بحاجة إلى شخصية تزيد من الاستقطاب والاحتقان اليومى، ولا البرلمان المصرى بحاجة إلى نائب يصدر أزمات يومية بدلا من أن يكون طرفا فى حل مشكلات وقضايا المواطن.
أخيرا.. بعض أصدقائى المهتمين بالشأن السياسى أصابهم الإحباط عقب نجاح عكاشة فى الانتخابات البرلمانية، ووقتها كان هو الظاهرة الأهم باعتباره الأعلى أصوات فى مصر، ولكن الآن تكشف لدينا أن تلك الظواهر لن تدوم، هى بعيدة عن الوضع الطبيعى، قد تحصل فى بعض الأوقات على قبول، على استحسان، لكنها على المدى البعيد، هى الخطر الأصلى على البلاد، لما تنشره باستمرار من جهل مستمر وما تسخر له قنواتها من تصفيه حسابات بشكل يومى.
وتبقى الكلمة الأهم.. التاريخ سيذكر إبراهيم عبادة بالخير، وسيذكر عكاشة أيضا، ولكن بكل شر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة