لهذا نصبوا المشانق لشيماء عبدالمنعم
لسنا شعبا متدينا بطبعه، لأن الحديث الشريف يقول «الذى يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران»، بينما نحن نقتل كل من يحاول، ونتفنن فى ذبح من يخطئ، ولا نتعاون فى شىء بقدر تعاوننا على الإثم والعدوان.
نحن لا نعترف بأفضلية المجتهد، لا نؤمن حقا بأن الإنسان يتعلم بالتجربة والخطأ، وأن البشرية تتقدم كلما تأكدت من عيوبها ونقدت ذاتها، ولذلك صار أشهر مثل بين موظفى مصر هو «اللى يشتغل كتير يغلط فيترفد، واللى يشتغل قليل يغلط قليل فيتجازى، واللى ميشتغلش خالص ميغلطش خالص فيترقى»، وهكذا صارت حياتنا مواتا، وسيد إنجازاتنا الصمت، ولهذا لا عجب من أن نرى المشانق منصوبة كل يوم لمن يعملون، ولا عجب أن نرى الدماء على أيادينا لا نعرف لها مصدرا، لأننا نقتل أنفسنا كلما قتلنا من يحاول أن يعمل أو يتعلم، فقد أصبح العمل سُبة، والخطأ إجراما، والكبير فينا هو ذلك الرجل الذى لا يهش ولا ينش، فالعمل يخلق الأعداء، والعمل يفضح السكون ويشينه، والعمل يكشف المتخاذلين، وليس «النسيان» هو آفة حارتنا كما قال سيد الرواية العربية، لكن آفة حارتنا «التخاذل الخذلان».
بين ليلة وضحاها، نصبت المشانق على مواقع التواصل الاجتماعى لأن الزميلة العزيزة شيماء عبدالمنعم لم تصغ سؤالها إلى الفنان العالمى ليوناردوا ديكابريو فى حفل الأوسكار بشكل منمق، وكأن الجميع لم يستوعبوا صدمة أن «ليناردوا» يقف أمام صحفية مصرية شابة، وأنها توجه له سؤالا فى أكبر حدث فنى عالمى، وأن مصر أخيرا حظيت بمراسل يقف أمام نجوم العالم، فاستبدلوا صدمة الموقف بقذف الزميلة العزيزة بكل ما يشين.
يتندر بعض الشباب على الآفات الاجتماعية التى أصابتنا قائلين إن هناك جزءا من الشعب المصرى على استعداد أن يصبح مثل شخصيات «الزومبى» التى تأكل الناس فى الأفلام الأمريكية، لكن للأسف فقد أثبت موقف البعض من الزميلة «شيماء عبدالمنعم» أن هناك قطاعا عريضا من مرتادى مواقع التواصل الاجتماعى على استعداد حقيقى لأن يتحولوا إلى «فانبير» يمارسون عادة «مص الدماء» وهم فى السعادة غارقون.
يصيح الجميع «البلد بتقع» لكن هذا الجميع لا يدرك أنه يسهم فى سقوط هذا البلد بأقصى سرعة عن طريق ترصد الأخطاء وعدم تشجيع المبادرة الشخصية والنيل من كل مجتهد، غدت اللامبالاة شعار الدولة المصرية، والتنبلة عادة وعبادة، وأصبح الخانعون يتسيدون المواقع المهمة والمتخاذلون على رأس كل مؤسسة، والمقولة الخالدة «تنبل تعيش» على كل لسان، بينما ليس للنجاح من سبيل سوى أن نرفع رؤوسنا عن الأوحال، وننظر إلى ما نريد أن نكونه لا إلى ما يريدنا عليه الخانعون.