لماذا «أبوالغيط» أميناً عاماً للجامعة العربية؟.. كل الطرق تؤدى إلى اختيار وزير الخارجية الأسبق أحمد أبوالغيط مرشحًا مصريًا لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، خلفًا للدكتور نبيل العربى الذى أعلن الأحد الماضى انتهاء ولايته الأولى فى يوليو المقبل.
أقول: كل الطرق تؤدى لاختيار «أبوالغيط» لأنه ذو ثقل وخبرة دبلوماسية كبيرة تؤهله لهذا المنصب، تحديدًا فى فترة يشهد العمل العربى الجماعى تراجعًا لم يشهده من قبل، بعدما تحولت الأمانة العامة للجامعة طيلة السنوات الأربع الماضية إلى ما يمكن تسميته بـ«وادى النسيان»، لأن الأمانة العامة تفرغت للرواتب، وتركت الأزمات العربية تستفحل دون البحث عن حلول، أو على الأقل مشاركة من الجامعة العربية من باب «ذر الرماد فى العيون».
نعم «أبوالغيط» هو الشخص المناسب فى هذا التوقيت تحديدًا، لأننا أمام شخص قادر على قيادة الجامعة العربية التى تمر بفترة صعبة لم تشهدها من قبل، وهى بالتأكيد محصلة للأوضاع العربية العامة، وبالتالى تحتاج إلى جهد كبير من شخص قادر على العمل والتواصل، وفضلاً على كل ذلك امتلاكه الرؤية والخبرة والعلاقات العربية والدولية، وهو ما يتوافر لشخص مثل «أبوالغيط» الذى لم يغلق الأبواب على نفسه بعد خروجه من الوزارة، لكنه انغمس فى دراسة متعمقة للأوضاع العربية والأزمات التى تفتك بالوطن العربى، محاولاً إيجاد حلول لها، لذلك كان ضيفًا دائمًا على عواصم عربية وأوروبية، محاولاً الوقوف على آخر التطورات والدراسات، فضلاً على طرح رؤيته الخاصة لما يحدث ولمستقبل المنطقة فى تجمعات ثقافية وعلمية، إقليمية ودولية، اهتمت بالاستماع لرأى «أبوالغيط». من واقع متابعتى فلم يعرف عن «أبوالغيط» أى ولاء أو انتماء حزبى، وهو ما مكّنه أن يكون شخصية مقبولة لدى الكثيرين، ورغم تعرضه لهجمات شرسة خلال توليه الخارجية، لكن بعد ذلك وحينما أخذت المقارنات طريقها داخل النخبة السياسية والدبلوماسية والصحفية أيضًا بين الخارجية فى عهده وفى عهد من أتوا بعده فى المنصب، عاد من كانوا مختلفين مع «أبوالغيط» وأقروا للرجل بحقه الذى كاد أن يضيع بسبب توجهات أيديولوجية وسياسية لمن هاجموه بلا رحمة، فهم كانوا يرونه معبرًا عن نظام مبارك، فحاولوا الانقضاض عليه كرمز لهذا النظام، لكن فات هؤلاء أن «أبوالغيط» كان يقود الدبلوماسية المصرية المعروفة دومًا بوطنيتها واستقلالها، وأنها تحترم اختيارات الشعب المصرى، وفى الوقت نفسه لا تقبل الخروج على القواعد العامة الحاكمة لسياسات الدولة، لذلك حينما اندلعت أحداث 25 يناير وتنحى مبارك تعامل «أبوالغيط» بشكل وطنى، وانحاز لاختيارات الشعب وقتها، ولا ننسى ما قاله خلال وجود الشباب فى الميادين فى 25 يناير حينما ذكر فى لقاء على قناة «العربية» أن أسباب اندلاع الثورة هى نتائج انتخابات مجلس الشعب التى أجريت فى 28 نوفمبر 2010، والتى اتهمها معارضو النظام بأنها انتخابات مزورة، وأيضًا تقدم سن مبارك، وعدم معرفة خليفته فى الحكم، والحديث عن التوريث أو عدمه كان من الأسباب الضاغطة لاندلاعها، فهو شرح أسباب ما حدث بشكل حيادى. «أبوالغيط» ترك للمكتبة المصرية والعربية كتابين فى غاية الأهمية، منهما كتاب «شهادتى.. السياسة الخارجية المصرية 2004 - 2011» الذى كشف فيه كواليس الدبلوماسية المصرية خلال توليه حقيبة الوزارة، وأزعم أن كل من قرأ الكتاب وحاول النظر بشكل موضوعى للأحداث، حتى وإن كانت منتقدًا لـ«أبوالغيط» تراجع عن فكرته القديمة عن «أبوالغيط»، لأن المصالح تكشفت، ولا داعى لإخفائها. «أبوالغيط» تعرض للظلم كثيرًا، حينما كان وزيرًا للخارجية، لدرجة أن الهجوم عليه من جانب شخصيات معينة لم يراعِ حدود النقد، وإنما تجاوزها، وتحميله ما لا يطاق، وللأسف هناك من سيستمر فى الهجوم عليه لسبب وبدون سبب، لكن يظل المؤكد أن «أبوالغيط» قامة دبلوماسية لها احترامها داخل مصر وخارجها، احترام نابع من تاريخه الذى امتد لأكثر من أربعين عامًا فى السلك الدبلوماسى المصرى، فهو شغل منصب وزير الخارجية منذ يوليو 2004 حتى مارس 2011، وقبلها ظل «أبوالغيط» متنقلًا فى دروب سلك الدبلوماسية المصرية لأربعة عقود، ومنذ عام 1965 بدأ التدرج فى رحلة وظيفية طويلة تنقل خلالها بين سفارات بلاده فى نيقوسيا، وموسكو، وروما، ونيويورك، وبين الدواوين والسكرتيريات الخاصة بالوزارة ورئاسة الحكومة، قبل ينتهى به المطاف ممثلًا لمصر لدى الأمم المتحدة فى 1999 ليظل فى ذلك المنصب خمس سنوات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة