يبدو أن سواد القلوب لدى البعض لا آخر له، ولا يحد منه قانون أو شرع أو إنسانية، ففى كل يوم يكتشف الإنسان فى نفسه أشياء لم يكن يعرفها من قبل من الشر الكامن بداخله، فإن كان البعض يملكون جرأة الاعتداء على الأحياء والإساءة لهم، فهناك آخرون تمادوا أكثر واعتدوا على الأموات بكل الوحشية المتخيلة، ففى إحدى قرى محافظة البحيرة قام مجهولون بنبش القبور، واستخراج جثث الموتى للبحث عن الجماجم التى يقال إنها تدخل فى صناعة الهيروين.
هذا السلوك الشائن، وإن لم يكن بالجديد أو المستحدث، لكنه هذه المرة مختلف جدا، وذلك بسبب أمور متعددة منها، أنه خرج من إطار الفردية وأصبح قابلا للتكرار مرات أخرى كثيرة، كما أنه تم الاعتداء على عدد كبير من المقابر بما يعكس قدرا أكبر من الوحشية والاستهانة بكل القيم الموجودة على هذه الأرض، كذلك فإن هذه الجريمة تمت بعشوائية، فقد قام المجرمون بفتح المقابر وسرقة جثث الموتى أو أجزاء منها، وتركوها مفتوحة مما مثل فزعا أكبر لأهل هذه القرية، وترك فى أنفسهم غصة من الغضب والخوف والألم، ورابع الأشياء التى تجعل هذه الجريمة غريبة القول إن هناك بعض أهالى القرية متورطون فى هذا الأمر، ولو صح هذا الأمر، فإنه يعنى كارثة أخلاقية تهدد المجتمع.
هذه الجرائم وأشباهها تعكس نوعا ما، الثقافة السائدة فى المجتمع أو تشير إلى الثقافات التى ستفرض قوانينها فى الفترة المقبلة، لذا يمكن بسهولة أن ننتبه إلى أننا قادمون على ثقافة «النبش»، التى لا تعنى السرقة فقط، لكنها تعنى التنازل عن الإنسانية تماما فى مقابل الكسب المادى، وعلى علماء الاجتماع والنفس والمراكز المهتمة بواقع هذا المجتمع أن يدرسوا ما الذى جعل مثل هذه الجرائم تحدث بهذه الكيفية، وتتم فى القرى التى تعتبر أن جثث موتاها جزء من واقعها.
كنا نسمع عن جرائم نبش القبور قديما، بسبب البحث عن متعلقات الموتى أو أن يسرق طالب بكلية الطب جثة، كى يدرس عليها علوم التشريح، لكن الأمور تطورت بهذه الفجاجة، وأصبح المجرمون يفعلون مثلما يفعل الجنود المهزومون فى الحروب الخاسرة التى تفرض أخلاقا خاسرة أيضا، يسرقون ويتركون وراءهم ما يثبت قسوة قلوبهم وفجاجتهم، والمجتمع المصرى لا يحتمل هذا النوع من الجرائم الذى يشوه صورة ماضيهم وينال من آبائهم، ولو انتشر ذلك سيحولهم إلى مجموعة من الغاضبين والكارهين، لذا نرجو ألا تمر هذه الحادثة مرور الكرام، لأنها لو مرت ستفتح بابا من الجحيم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة