لماذا اختار جنينة الهروب بدلًا من المواجهة؟.. حينما تريد أن تبقى على القمة فأمامك طريقان، إما مواصلة العمل الناجح الذى بدأته، أو تستعمل أسلوب القوة لإزاحة كل من ينافسك أو يهدد وجودك على القمة، الطريق الثانى هو ما اختاره المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات الذى يواصل مسلسل السقوط دون أن يعى خطورة ما هو مقدم عليه.
المستشار جنينة كان أحد قضاة تيار الاستقلال قبل 25 يناير، ممن سجلوا مواقف أجبرت كثيرين على احترامهم حتى وإن كان لمواقفهم هذه تفاسير سياسية أخرى، لكن فى النهاية كانوا صوتًا عاليًا ضمن حراك سياسى كانت تموج به مصر حينها، وبعد 25 يناير امتطى جنينة حصان السلطة، فتمسك به وأبى أن ينزل من عليه مهما كانت الأسباب، حتى وإن كانت تتعلق بكفاءته فى إدارة أهم وأخطر جهاز رقابى فى مصر.
لهشام جنينة خصوم سياسيون بدأوا فى كشف حقائق يبدو أنها أقلقته، فكان الرد بهجمة مرتدة من جانبه، فاختار أن يثير جدلًا شعبيًا وسياسيًا حول تكلفة الفساد فى مصر حتى يبعد عن نفسه الحديث ولو مؤقتًا، وكان تصريحه العنترى بأن تكلفة الفساد خلال عام 2015 تصل إلى 600 مليار جنيه، فى إشارة لا تخفى على أحد بأنه يحاول القول بأن النظام الحالى يتستر على الفساد، وقد تزامن تصريحه هذا مع اقتراب ذكرى 25 يناير، فكان التصريح وسيلة أخرى لتأجيج الغاضبين، وحينما ثارت الدنيا على تصريح جنينة وطلبُ منه رسميًا إيضاح الحقيقة تراجع عن جزء مما قاله، وحاول الهروب، لكن حاصرته لجنة تقصى الحقائق المشكلة من جانب رئيس الجمهورية التى انتهت إلى تقرير لا يدين هشام جنينة فقط، وإنما تفضح كثيرا مما كان يحاول أن يفعله لإحراج مصر ليس داخليًا فقط وإنما أمام العالم كله، فكيف لدولة أو مستثمر أجنبى يأمن على أمواله واستثماراته فى دولة يجاهر رئيس أكبر جهاز رقابى بها بأنها دولة قائمة على الفساد.
تقرير اللجنة الرئاسية حاصر جنينة وكشفه أمام الجميع، فلم يجد جنينة من طريق للهروب مرة أخرى سوى مقاضاة الزميلة رانيا عامر التى نشرت تصريحه على صفحات جريدة «اليوم السابع».. يحاول جنينة أن يختبئ خلف هذه الدعوى القضائية لتوارى سوءات ما فعله، لكنه بالتأكيد سيفشل كما فشل أكثر من مرة فى السابق، فالحقائق واضحة أمام الجميع، ولن يفيد رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات تلك الطرق التى يحاول أن يسلكها باحثًا عن مخرج له، فما قاله ثابت وواضح وأثبته تقرير اللجنة الرئاسية الذى أكد بما لا يدع مجالًا للشك نوايا جنينة التى لم تكن خالصة، لكنه فى النهاية قرر الهروب بدلا من المواجهة.
متى يتحرك البرلمان ضد جنينة؟.. حقيقة هشام جنينة أصبحت واضحة وضوح الشمس أمام مصر كلها، حتى أنصاره تسربوا من حوله وبقى وحيدًا، ولم يتبق إلا مشهد إسدال الستار أو المشهد الختامى فى رواية هشام جنينة التى مل الجميع منها، يبقى مشهد واحد فقط تأخر مجلس النواب فى إخراجه حتى الآن، فرغم صدور قرار برلمانى بتشكيل لجنة برلمانية للتحقيق فيما أثاره جنينة من بلبلة إلا أن هذه اللجنة لم تر النور حتى الآن.
يقول النواب إنهم كانوا مشغولين بمشاكل داخلية مثل إقرار اللائحة الداخلية للمجلس وغيرها من الأمور، لكن ألم يع هؤلاء أن الأمر جد خطير، ربما يكون مساويا لخطورة النائب السابق توفيق عكاشة الذى صوب البرلمان وضعه وأخرجه من تحت قبته حتى يتطهر منه ومن أفعاله وأقواله.
نحن لم نتحدث عن جنينة الآن لمقاضاته الزميلة رانيا عامر، لأننا ندرك أن موقفنا القانونى صحيح، كما أن ثقتنا فى القضاء المصرى لم تهتز ولو للحظة واحدة، لكننا نريد الحقيقة.. الحقيقة وليس إلا، الحقيقة التى كشفتها لجنة تقصى الحقائق، وتنتظر موقفا واضحا وحازما من البرلمان.. لا نريد القصاص من جنينة بقدر رغبتنا فى إظهار الحقيقة ومعاقبة المخطئ أيا كان، لأن مصر أقوى وأكبر من استخدامها فى تصفية حسابات سياسية أو مصالح ضيقة لجماعات ينتمى إليها البعض.
نريد الحقيقة فقط، الحقيقة التى يخشى أن يقولها جنينة.. فقد كنا ننتظر منه اعتذارا عما قاله، لكنه رفض الاعتذار وأراد الهروب، فهل نتركه يهرب دون محاسبة أو مساءلة؟!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة