أمريكا تقدم أكبر خدمة لداعش
وكأن الساحر الأمريكى المرعب جلس حول البلورة السحرية التى تخبره بكل شىء عن كل شىء، ثم همس فى أذن جون كيرى، وزير الخارجية الأمريكى المرعب، أيضا، وقال له شيئا، ثم طلع جون كيرى علينا من ثنيات البيانات الرسمية بتصريح تتجلى فيه قدرة أمريكا على التنبؤ بحدوث الأشياء غير المتوقعة، مؤكدا أن أمريكا مازالت قادرة على معرفة «دبة النملة» فى أى مكان فى العالم، إذ يقول هذا التصريح لشعب أمريكا: لا تسافروا إلى أوربا كلها لأنه من المتوقع أن يقوم تنظيم «داعش» بسلسلة هجمات كالتى وقعت فى بروكسل، يوم الثلاثاء الماضى، بل وتجلى السحر فى أبهى صوره حينما ذكر بيان الوزير معلومات لا يعرفها أحد إلا هو، إذ قال إن الجماعات الإرهابية تستهدف الأحداث الرياضية والمواقع السياحية والمطاعم ووسائل النقل، ولهذا فإنه يجب على المواطنين الأمريكيين توخى الحذر فى هذه الأماكن وتوخى الحذر الإضافى أثناء العطلات الدينية وفى المهرجانات والمناسبات الكبيرة.
فى هذه المناسبة المؤلمة لا يسعنا إلا التوجه بالشكر إلى الساحر الأمريكى المفترض، الذى أوحى إلى كيرى بمعلومات غاية فى الأهمية والسرية فى آن، ولا يجب هنا أن يدعى أحد أنه قادر على جمع تلك المعلومات التافهة بضغطة زر على محرك البحث الإلكترونى «جوجل» كما لا يجب أيضا أن ينبه أحد أمريكا إلى أنها لم تكن لتعرف ما سوف يقوم به داعش وأنها لم تحذر أصدقاءها فى أوربا من التفجيرات الواقعة بالفعل، وأن تحذيراتها الرسمية التى تأمر الأمريكيين فيها بعدم الذهاب إلى الأماكن المزدحمة أو أماكن التجمعات الرياضية والفنية لم تأت إلا من خلال رصد ما حدث بالفعل فى باريس وبروكسل، وأن أجهزة معلوماتها ومخابراتها لم تستطع توقع ماذا سيقوم به تنظيم داعش، وأنها فوجئت بما حدث مثلما فوجئ الحطابون فى الجبال والعجائز حول المدفأة.
الحقيقة التى لا تريد أمريكا أن تعترف بها هى أن الإرهاب «إرهاب» لا أحد يقدر على توقع ضرباته أو تخمين مساراته، والحقيقة أيضا أن أمريكا بهذه التحذيرات الموجهة إلى مواطنيها فإنها تقدم لتنظيم داعش أكبر هدية فى تاريخه، إذ تثبت لهذا التنظيم المخبول أن العالم وصل إلى أعلى قمة هرم الضعف، وأن هذا التنظيم يكاد الآن أن يحدد إقامة البشرية وفقا لخريطة وضعها هو، وعلى هذا فإن التحذيرات الأمريكية التى امتدت لتشمل غالبية دول العالم بعثت برسالة عاجلة إلى داعش تقول فيها تقول: رسالتكم وصلت ونحن الآن خائفون من الإرهاب ولذلك نحرم على مواطنينا حقوقهم الدستورية فى التنقل بحرية إلى جميع أنحاء العالم ولهذا فإننا نحاصر مصر والعراق وسوريا وليبيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والصومال ومالى وغيرها وعشرات الدول الأخرى بمنع السائحين عنها، فتتأثر اقتصاديات هذه الدول وتضعف، وبدلا من أن تتحد دول العالم وتقوى للوقوف أمام هذا الإرهاب الدامى، فإنها تنصاع له صاغرة وتضعف بعضها بعضها فإيقاف حركة السياحة والتجارة والاستثمار، بينما «داعش» ينمو كل يوم مقتاتا على مخاوفنا التى نخاف من مواجهتها.