وائل السمرى

المتتبعون للسقطات

السبت، 26 مارس 2016 07:09 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يكن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبدا ينطق عن «هوى» ففى أحاديثه البليغة الشافية بصيرة وتبصر ومعرفة ربانية بالنفس الإنسانية والأمراض الاجتماعية، وهنا أريدك أن تتذكر الحديث الشريف الذى يقول فيه النبى الكريم: «فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ» وفى رواية أخرى يقول «إِنَّكَ إِن اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ» وفى الحقيقة ما أحوجنا إلى تذكر هذا الحديث الشافى الآن بعد أن أصبحنا نتقوت كل يوم فى مواقع التواصل الاجتماعى على تتبع عورات الناس وتصوريهم خلسة واستعراض هذه الصور دون إذن، بل والأمر من هذا أن تلك الآفة امتدت لتفضح ما يدور داخل البيوت بعد أن ستر الله سكانها، فتكاثرت الأزمات وزادت الاحتقانات وارتفعت حالات الطلاق بشكل كبير بسبب هذه الروح الكريهة التى سادت مجتمعاتنا.

على المستوى السياسى يتفاقم الوضع أكثر وتصبح آفة تتبع العورات أو السقطات أمر قاتل ليس للشخص الذى يتم انتقاده فحسب ولكن أيضا بالنسبة لمقام منصب هذا الشخص ولمن سيأتى بعده وللبلد كله بشكل عام، وعلى سبيل المثال لاحظ تلك الحالة من الهستيريا التى انتابت بعض المصريين من مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى حول المستشار حسام عبد الرحيم، وزير العدل الجديد، بعد أن استخرج بعض الفارغين تسجيلا قديما للمستشار ارتبك فيه للحظة فى نهاية كلمة فى محفل، فبينما أراد أن يقول: «صدق الله العظيم» قال: «صدق «رس» الله العظيم» وهو ما يوحى أنه ارتبك بين مقولة التصديق للرسول الكريم «صدق رسول الله» ومقولة التصديق لرب العزة، وتدارك الأمر فى أقل من ثانية، لكن هذا بالطبع ما لم يعجب الفارغين الذى تركوا تاريخ الرجل وأفعاله وصنعوا من «زلة لسان» مادة للسخرية.

لقد مللت من هذه الأفاعيل الحمقاء، التى أعترف لك الآن أننى كنت أمارس بعضها فيما سبق، لكنى اكتشفت أن آثارها مدمرة وأن مردودها غاية فى السوء، وأن محصلتها لا تزيد عن «حفنة لايكات» على مواقع التواصل الاجتماعى وحفنة أزمات تنزلق فيها البلد بمن فيها، ولا يظن أحد هنا أننى لا أريد ألا ينتقد أحد أحدا، أو ألا يهاجم أحد أحدا، لكن الشىء الذى أصبحت أمقته ولا أطيق رؤيته أن يتتبع البعض سقطات المسؤولين فيتحول المسؤول إلى ما يقرب «المصفاة» من كثرة الانتقادات التافهة، فيفقد المسؤول الحافز المعنوى الذى يدفعه للعمل باجتهاد لعلمه بأن سهام النقد ستصله، أنا هنا أتحدث عن آفة مجتمعية أصابتنا فحولتنا إلى «وحوش» أو «مسوخ» نأكل لحم أخينا ميتا ونشرب دماء أبنائنا ساخنة، ونهتك أعراض وطننا دون أن نقف لحظة لنقول: ما هذا الذى ارتكبناه ولماذا؟





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة