اللى على راسه «جزمة» يحسس عليها
قالوا قديما إن «لكل داء دواء يستطاب به/إلا الحماقة أعيت من يداويها» وفى بيت الشعر هذا تحذير شديد لكل من يحاول التصدى لتنظيم الحمقى فى أى زمان ومكان، أما المقولة التى تعلو فيها نبرة التحذير فهى «لا تجادل الأحمق حتى لا يخطئ الناس فى التفريق بينكما» لكن مع كل هذه التحذيرات يجد الواحد نفسه مضطرا إلى الانغماس فى تناول الحماقات التى تطفو على سطح المحيط الإعلامى لكثرتها وصعوبة تجاهلها من جانب، ولتخريبها عقول المصريين من جانب آخر، ولعل آخر هذه الحماقات وأكثرها فجاجة ما تناولته بعض وسائل الإعلام حول واقعة تبرع اللاعب العالمى «ميسى» بحذائه لصالح فقراء مصر، التى اعتبرها بعض المحسوبين ظلما وجورا على الإعلام المصرى سبة فى جبين مصر وإهانة بالغة حاولوا الرد عليها بما تيسر لهم من مستنقع مفرداتهم وقاموس شتائمهم، وليقابلوا الحسنة بالسيئة، والمحبة بالكراهية والتودد بالجفاء وليسهموا فى وضع ألف علامة استفهام حول سلوك المصريين وطريقة تفكيرهم وطريقة إدارة إعلامهم.
ارتكب ميسى ذنبا لا يغتفر لأنه حاول أن يمد يد العون لبعض فقراء مصر فى سلوك حضارى محترم يتبعه نجم نجوم كرة القدم فى العالم، ولأن كل معانى الشوفونية تجسدت فى بعض إعلاميينا فقد سخرنا من الرجل وشتمناه، حتى أن بعضهم ظل يكيل السباب لأمهر لاعبى العالم وهو يردد «المصريين أهمه» وكل الذنب الذى ارتكبه اللاعب هو أنه فعل مثلما يفعل كل لاعبى العالم وتبرع بحذائه الذى يقدر بالملايين لفقراء مصر، وهو أمر غاية فى البساطة العفوية ولا يقصد به أى إهانة، وإلا لكانت جائزة الحذاء الذهبى التى حصل عليها ميسى حوالى خمس مرات إهانة بالغة، ولكان لاعبو العالم كله يتنافسون كل عام على صاحب السبة الذهبية وليس الحذاء الذهبى.
تلك الواقعة أثبتت أن «اللى على راسه جزمة بيحسس عليها» فمن شتم ميسى وأهانه ووضع مصر محل انتقاد العالم خاصة صحف إسرائيل تملك منه داء التشنج الجاهل وأظهر نفسه فى موضع من يستحق «الجزمة» فعلا ولما جاءته هاج وماج وارتعب، ولهذا سخرت صحف إسرائيل مما أسمته «غضب مصر» من حذاء ميسى، وأبدى جميع المراقبون استغرابهم من تلك الحملة المسعورة التى قادها أعلام الإعلام الرياضى الذى جر مصر فى السنوات الأخيرة إلى العديد من الصراعات والاحتقانات والمذابح، وللأسف فقد أصبحت مهنة الإعلام الآن فى أحط مراحلها بعد أن تنحى خيارها وبرز شرارها.
لو كان ميسى فنانا تشكيليا لتبرع بإحدى لوحاته، ولو كان شاعرا لتبرع بعائد كتبه، ولو كان نحاتا لتبرع بإحدى تماثيله، ولو فكر هؤلاء مرة واحدة قبل أن يشنوا هجومهم التافه هذا على الرجل لراجعوا أنفسهم ألف مرة، لكن للأسف تملك منا داء التعصب واستهوتنا المزايدة وجرفتنا أمواج السباب العام وأصبحت الحماقة هى العملة الرسمية لقنواتنا الفضائية فانطبعت على سلوكنا كله.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة