هل قدّم شريف إسماعيل جديداً فى برنامج حكومته الذى ألقاه يوم الأحد الماضى؟
فى بيانه ذكر تعبيرًا لافتًا، هو: «مصر كانت كمريض حرارته 40 ثم انخفضت بالعلاج إلى 39، ومازلنا فى منطقة الخطر»، وهو تعبير يلخص المشهد المصرى كله.
فى تفكيك التشبيه الذى قاله «إسماعيل» إلى حقائق على الأرض، سنجد أرقامًا مفزعة، مثل ارتفاع فاتورة الدعم بعد ثورة 25 يناير من 94 إلى 188 مليار جنيه، والأجور من 86 إلى 199 مليار جنيه، وإن البنية الأساسية والتعليم والصحة والإسكان والمرافق يتم الإنفاق عليها 25 % فقط، وإن فاتورة الواردات ارتفعت إلى ما يزيد على 61 مليارًا، مقارنة بـ 5 مليارات عام 2010/2011، هناك أرقام أخرى مثل فوائد الدين العام الذى وصل نحو 193 مليار جنيه، وحجم الدين الخارجى وصل إلى نحو 46 مليار دولار.
فى البيان يعترف رئيس الوزراء بتراجع حجم الإنتاج المحلى، والخلاصة أننا أمام حال لا يسرّ عدوًا ولا حبيبًا، حال أصبح فيه عامة المصريين لا يمر يومهم بسلام نفسى لعدم قدرتهم على تدبير احتياجاتهم اليومية، غير أن رئيس الوزراء وهو يتحدث عن الأزمة بهذه الصراحة، مشبهًا الوضع بالمريض المرتفعة حرارته إلى 40 درجة، يتحدث فى الوقت نفسه عن أن الحرارة نزلت إلى 39، بما يعنى أن هناك أدوية يتم تعاطيها لكن نتائجها تأتى ببطء، فهل بالفعل هناك انخفاض فى درجة الحرارة حتى لو كان درجة واحدة؟
القاعدة التى يجب أن يكون القياس عليها فى الإجابة عن سؤالى، هى إلى أى مدى يستطيع عامة المصريين من الموظفين والعمال والفلاحين والبسطاء تلبية احتياجاتهم المعيشية؟، إلى أى مدى تكفى رواتب هؤلاء ودخولهم إذا كانوا غير موظفين؟، إلى أى مدى تعانى الأسرة المصرية من ارتفاع الأسعار بهذا الشكل الجنونى؟
ببساطة، لو كان المريض الذى هو يا سيادة رئيس الوزراء «عامة المصريين» انخفضت درجة حرارته، حتى لو كانت درجة واحدة، لوجدنا ببساطة أعراضًا لمقدمات الشفاء، تتمثل فى استقرار الأسعار عند حد معين حتى لو كانت مرتفعة، لوجدنا قدرة قوية وحاسمة للدولة لمواجهة جشع التجار إذا كانوا مسؤولين عن ذلك، أما وأن كل الأسعار تشهد جنونًا غير طبيعى فهذا يعنى أن المريض لا تنخفض حرارته، إنما ترتفع بدرجة قد تهدد بالموت، وبالتالى فإن مسار العلاج خاطئ جملة وتفصيلًا.
هل نتحدث عن خفض قيمة الجنيه أمام الدولار، وينسحب ذلك على باقى العملات الأجنبية؟، هل وعت الحكومة أننا أمام مسار اقتصادى يؤدى باستمرار إلى خفض قيمة الجنيه، وهذا المسار متواصل منذ زمن مبارك، بما يعنى أنه لكى تحسم هذه المشكلة عليك بإعادة النظر فى مجمل هذا المسار، وعليك أن تدقق فى مواطن الداء بطريقة جذرية وليس بالترقيع.
ولأن الحلول المطروحة كلها تأتى بمثابة ترقيع، ولا تقدم رؤية متكاملة، فإننا لن نجد شيئًا جديدًا، لن نجد أكثر مما رأيناه فى الماضى، والذى أدى إلى كوارثنا الحالية، نعم تحدث شريف إسماعيل بصراحة، وأعطى أرقامًا مفزعة، لكن مواجهة كل ذلك لا يأتى بالنوايا الحسنة، كما لا يأتى على طريقة قول: «أصل الناس مبتشتغلش»، و«الناس قاعدة على القهوة»، و«الناس بتروح الشغل تسديد خانة»، فهذه مقولات تذكرنا بنهج مبارك الذى كاد أن يشتم المصريين لأنهم «بيخلفوا عيال كتير»، فالذين يضيعون وقتهم على القهوة يفعلون ذلك «من غُلبهم» ومن قهرهم، أما الذين لا يعملون فماذا قدمت لهم الحكومة من فرص؟!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة