كعادتنا- نحن المصريين- ننظر للأمور نظرة سطحية ومن زاوية واحدة، ودون تمحيص ننجرف وراء مثناثر الكلام بالعاطفة لا بالعقل، ومن قبيل هذا ما قابلنا به إعلان النجم العالمى والأسطورة الكروية البرغوث ليونيل ميسى تبرعه بحذائه لفقراء المصريين، بموجة من الاستهجان التى ربما تكون بعيدة كل البعد عن إنصاف مبادرة الرجل الطيبة، بالطبع هنا يجد الغوغائيون ومريدو الشو وعاشقو البروباجندا فرصتهم، وتتعدد المبادرات ما بين تقطيع فروة ميسى من قبل ملهمى الفيس بوك ومنظريه والدعوات لمحاكمته، وما بين مبادرات المغاوير متلقفى هذه الأفكار ومترجميها للواقع، لا لشىء إلا لأن يُذكر اسم الواحد منهم فى خبر يكون مطلعه "فى أول رد فعل على تصريحات ميسى.. تقدم المحامى فلان ببلاغ للنائب العام ضد ميسى" ويا حبذا لو نشر مع الخبر صورة له تتصدر الصحف والمواقع الإلكترونية.
نتفهم ماذا يعنى فى ثقافتنا أن يتبرع لنا شخص بالحذاء، يعنى أن الحذاء هو ما يليق بنا، من وجهة نظرنا نحن المصريين، وأنه يستخف بنا وبمصر وبفقرائها ويقزم منهم، لكن هل توقفنا قليلا عند الأمر من زاوية أخرى، نحن فى مصر مثلا إذا جاءنا سائل ففى الغالب نعطيه من فضلات الطعام، دائمًا تكون الصدقة أقل مما يلزم أهل البيت وفوق حاجتهم، كذلك جرى العرف أنه إذا وقف سائل على محل عصير مد له "عامل البنك أو النصبة" يده بنصف كوب العصير الأصغر فى المحل، ولو كان على مطعم أعد له ساندوتشًا صغيرًا لا يسد رمق فأر ومده له... وقس على ذلك.
إذن ماذا ننتظر من ميسى أن يتبرع به؟ بالتأكيد سيطبق المثل المصرى القائل "الجود من الموجود" وسيتصدق بشىء من متلعقاته الرياضية، وأهمها- طبعا- الـ«تى شرت والحذاء»، وحسب تقديراتنا فى كرة القدم، فإن الأهم فيهما هو الحذاء، أليس هذا الحذاء هو الذى هز شباك "فطاحل" حراس المرمى فى العالم؟ أليس هو من جعل منه أسطورة العالم ومعشوق جماهير الساحرة المستديرة؟ إذا نظرنا للأمر من هذه الزاوية فعلينا أن نعترف بحسن نيات الرجل، وأنه أعطى وتنازل عن أغلى ما يملك لمن رأى أنه يستحق، بعيدًا عن تأويلات المصريين وتحبيشاتهم.
صحيح أننا لم نسأل ميسى الإحسان، لكن إنسانيته دفعته إلى ذلك، ثم علينا أن نقول لمن اعتبروا الأمر سبة: هل سألتم من أوصلونا لهذا الحال قبل أن تحاكموا ميسى ؟ يا أيها الذين احمرت أنوفهم من كلام ميسى، إن الصورة التى تصدر عنا من بعض مسئولينا فى الخارج توحى بأننا لو تبرع لنا أحدهم بأى شىء لقبلناه، تسول فى الجهر والخفاء عيانًا بيانًا، خذ مثالاً واحدًا فقط، هشام زعزوع خلال حفلة «الليلة المصرية» التى أقيمت بالعاصمة الألمانية برلين قبل أيام من عزله، قام بعرض صور لمجموعة من المصريين البسطاء الذين يعملون بالمجال السياحى، وكانت إحداها لصاحب حنطور بالأقصر، وفى مشهد كانت تنقصه الموسيقى الخلفية قال الوزير للحاضرين، إن صاحب الحنطور أوقفه خلال زيارته للأقصر وقال له «يا وزير شايف الحصان دا.. وشايف ابنى.. قولى أجيب أكل لمين فيهم ؟".
هل أخطأ ميسى الآن فى تبرعه بحذائه- أعز ما يملك ـ ليت كل أغنياء مصر - وهم كثر- مثل ميسى يتبرعون بأحذيتهم لفقرائها بدلا من أن يرشقوهم بها أو يجعلوها فوق رقابهم، وكلنا يعلم أن المصريين "بتوع منظرة"، وكم يبلغ ثمن حذاء الواحد من رجال أعمالها ومشاهيرها، واسألوا الفنانين والفنانات.
ثم اطمئنوا، يا أيها الغاضبون من حذاء ميسى، فإن كنتم فقراء فلن يصلكم منه شيء ولو من "رباطه"، ولو كنتم أغنياء فأنتم تأكلون حذاء ميسى و«تحلّون» بالشراب لو طلبتموه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة