حنان شومان

نوارة بنت من مصر وليست بنت مهرجانات

الخميس، 31 مارس 2016 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أحاول دائما قبل أن أكتب عن فيلم كونت وجهة نظر حوله بالفعل متحمسة له أو غير متحمسة له، سيئ أو عظيم أو حتى لا هذا ولا ذاك، مجرد فيلم، أحاول أن أقرأ ما كتبه آخرون عنه لأرى كيف ينظر الآخرون لنفس الفيلم، وتلك عادة علمتنى منذ زمن أن يتسع صدرى للاختلاف، وأن أتفهم أن لا شىء يمكن أن يجتمع عليه حتى من نقول عنهم متخصصون أو غير متخصصين، وحتى هؤلاء الذين يخضعون أحياناً فى تقييمهم لنفس القواعد تختلف روءاهم ونظرتهم، وبالتالى تقييمهم لذات الفيلم أو العمل الفنى.

دائما ما أتبع هذا المنهج، ولكن أمام فيلم نوارة لا أستطيع، ولا أريد أن أتبع منهج اتساع الصدر أمام الاختلاف، أو فذلكة البعض فى نقدهم ونظرتهم لهذا الفيلم، وبنفس القدر لا يتسع صدرى لبعض من كتب يقول عن فيلم نوارة أنه فيلم مهرجانات لمجرد أنه عُرض فى أكثر من مهرجان وفاز بالفعل بجوائز، لأن هذه التسمية للأسف سيئة السمعة، ولا يجب أبداً أن نسمح بنعت نوارة بسوء السمعة لأنها أجمل من فينا.

نوارة المخرجة هالة خليل التى خلقتها كتابة وصورة، بنت مثل ملايين من المصريات شقيانة ورثت مهنة أمها فى خدمة منزل أحد رجال الدولة المهمين، وزير سابق وعضو مجلس شعب، تعيش مع جدتها ومتزوجة مع إيقاف التنفيذ حتى تجد سكنا، وفى ربيع 2011 تبدأ الحكاية فتقوم الثورة التى تنادى بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، فكأنها قامت من أجل الفقراء .. من أجل نوارة، ولكن ما الذى حدث من وجهة نظر كاتبة السيناريو والمخرجة، لا شىء غير أن الفقراء ظنوا أنهم سيقتسمون أموال مصر المهربة وسيتم توزيعها فيكون نصيب الفرد 200 ألف جنيه، أما الفاسدون فهربوا وتركوا الفتات للفقراء، ولكن حتى هذا الفتات لم يصل أيديهم، وحدهم الفقراء هم من دفعوا ثمن الحلم الذى لم يتحقق.

كثير من الأفلام أقحم ثورة يناير فى أحداثها، فأفسدت الأفلام كما فسدت الثورة، وربما يبقى فيلم واحد هو بعد الواقعة ليسرى نصر الله الذى استطاع أن يخرج من إطار هذا الفساد الفنى والفكرى، ليأتى «نوارة» بعده ويقول إن هناك الكثير الذى تستطيع السينما أن تحكيه منذ يناير 2011، ولكنها بخيلة علينا.

حكت هالة خليل وجهة نظرها شديدة الواقعية بالصورة والصوت وحتى نظرة العين، فلتختلف أو تتفق حول وجهة نظرها، ولكن الواقع يؤكد ما ذهبت إليه فى فيلم من أصدق الأفلام التى استوعبت أحداث مصر منذ 2011 بلا ضجيج ولا صراخ ولا شعارات، بل بشاعرية مفرطة، ولكنها باترة كنصل سكين حتى وهى تحكى عن علاقة نوارة بكلب يملكه الفاسدون.

مجرد اقتران اسم فيلم نوارة بكلمة فيلم مهرجانات فى الصحافة جريمة لأنه يحرم الجمهور من متابعة فيلم يستحق المشاهدة ولا علاقة له بسوء سمعة هذه التسمية، كما أن مجرد نقل أى خلاف سياسى فى معنى الثورة ونتائجها وإصباغه على فيلم نوارة جريمة أيضاً، لأن «نوارة» يحكى عن كثير من الناس فى بر مصر، فلا تفسدوا الحكاية بخلاف سياسى.

منة شلبى فى هذا الفيلم صعدت درجات فى الأداء قفزاً، فهى خرجت من النمط التقليدى لأداء البنت الفقيرة التى تعيش فى العشوائيات والتى تصورها كل الأفلام والمسلسلات بشكل واحد وأداء واحد، صوت عال وفجاجة وقبح، لتقدم منة شكل وصوت وتعبيرات مختلفة تملأ الشاشة شجناً صادقاً بلا مبالغة، وبنضج فنى يفوق عمرها بكثير. رجاء حسين فى دور الجدة، ممثلة بدرجة وزير، محمود حميدة فى دور عضو مجلس الشعب والوزير السابق ممثل بدرجة رئيس وزراء من بتوع زمان جداً، أمير صلاح الدين الذى أدى دور زوج منة شلبى بداية قوية لظهور أكبر فى المستقبل، أحمد راتب وشيرين رضا كبيران فى فيلم كبير يستحقان بعضهما.

هالة خليل صاحبة فيلمين سابقين هما أحلى الأوقات وقص ولزق، وها هى تقدم فيلمها الثالث مخرجة وكاتبة ملتزمة فيه بما عاهدتنا كمشاهدين لأفلامها القليلة، فهى تحكى بصدق وعذوبة وشجن وفن عن بعض منا فلا تحملوها همومنا السياسية وفسادنا، ولا تسيئوا لسمعة نوارة، وإن فازت فى المهرجانات، لأنها بنت البلد وليست أبداً بنت مهرجانات.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة