أسعدتنى دعوة جامعة الملك فيصل الأزهرية بأسيوط لحضور مؤتمرها الدولى الأول، والذى دشنته للدفاع عن التراث الإسلامى وصد هجوم الذين يريدون هدم هذا التراث العظيم وإهالة التراب عليه.
وقد جاء المؤتمر بعنوان "الفهم الصحيح للتراث الإسلامى وأثره فى علاج الانحراف الفكرى".. وكان الجميع غاضباً وثائراً لما لحق بالتراث الإسلامى من سب وشتم وطعن ولعن على ألسنة أقوام معظمهم لم يقرأ شيئاً عن التراث الإسلامى ولكنه يطعن فيه كمقدمة للطعن فى علماء الإسلام ثم الدين نفسه، وبعضهم ينساق تبعاً للموجة بحسن نية وقلة علم.وقد كانت أقوى كلمات المؤتمر من وجهة نظرى كلمة أ.د.محمد عبد الشافى "النائب السابق لرئيس جامعة الأزهر " والذى حمل على كتفيه عبء المؤتمر كله منذ البداية، وكانت كلمة رائعة بالغة الدقة، وللأسف لم تذع أى قناة شيئاً منها أو عنها، فضلاً عن إهمال المؤتمر كله إعلامياً.وقد فوجئت بأن كلمة وكيل الأزهر د. عباس شومان غير نمطية ولا تقليدية وعلمية أكثر منها رسمية ومرتجلة بقوة.. فشعرت أن الأزهر كله غاضب من أقوام قفزوا عامدين من نقد الحركة الإسلامية إلى نقد الإسلام، ومن نقد التراث الإسلامى إلى نقد القرآن والسنة أو محاولة إلغاء الركن الثانى من الإسلام وهو كتب السنة.
وقد طرح المؤتمر أفكاراً جميلة عبر كل جلساته، وخاصة الافتتاحية منها والتى كانت أقواها رغم أنها حشدت بالرسميين إلا أن كلماتهم لم تكن رسمية بقدر ما كانت غاضبة من أجل الدين، وعلى الذين يريدون به شراً، ومن أهم هذه الأفكار ما يلى :اولا: أن القداسة فى الإسلام للقرآن والسنة. ثانيا :أن علماء الإسلام وأئمة المذاهب بشر يصيبون ويخطأون ولا مانع من نقدهم، ولكن لمن يملك الأدوات العلمية لذلك، وبشرط أن يكون نقداً بناءً صحيحاً دون شتائم أو إساءة أو تطاول.. ولكن بحق ومعرفة.
ثالثا: أنه لولا علماء الإسلام وأئمة المذاهب الفقهية لضاعت الأمة والإسلام حتى مع وجود الكتاب والسنة، فليس هناك دين معلق فى الهواء بلا علماء ولا صحابة ولا حواريين ولا أئمة ولا مناهج بحثية ولا تراث فقهى وعلمى ودينى.
رابعا: علماء الإسلام ليسوا مقدسين، وفى نفس الوقت ليسوا مبخسين، كما يريد البعض أن يهيل التراب عليهم أو يبخسهم حقهم رداً على توهم فى عقله المريض بتقديس هؤلاء مع أن علم أصول الفقه نص منذ 15 قرناً على أن " قول الصحابى ليس بحجة ".خامسا: أن علماء الإسلام الأوائل أفتوا لزمانهم وتحدثوا عن أقضية زمانهم.. وبعضهم لو عاش زماننا لغير فى بعض أقواله تبعاً لهذا الزمان، مثلما غير الشافعى فقهه بعد ما ترك العراق وجاء إلى مصر.. وأمر باتباع الجديد من فقهه وترك القديم منه. سادسا الإسلام وفقهه وعلمه يتجدد كل مائة عام على أيدى علمائه ورجاله المخلصين.. والله يرسل المجددين كل فترة.. ولا يكون ذلك فى مجال واحد.. ولا فى مكان واحد.. بل لكل تخصص مجدد.. ولكل مكان مجدد.. وهؤلاء لا ينقطعون أبداً.. ومالم يتجدد يتبدد.. والتجديد لا يعنى التبديد والهدم.. ولكن يعنى إزالة الغبش أو الجمود أو الضعف الذى حل بالإسلام ودعوته.. والإسلام يضع بين جامد وجاحد.. فالجامد يضيع الدين بجموده وييأس الناس من التغيير نحو الأحسن والأفضل، والجاحد يصرف الناس عن الدين بجحوده.
أما سابعا فقلت قلت فى كلمة لى بكلية أصول الدين: لابد أن نفرق بين ابن القيم الفقيه وابن القيم الطبيب.. فالطب فى عهد ابن القيم كان متخلفاً غاية التخلف ولذلك علينا أن نقبل ما قاله ابن القيم كفقيه ونأخذ منه، ونرفض ما قاله ابن القيم كطبيب ولا نأخذ منه لأنه يتناقض تماماً عن الطب الحديث وليس له سند من كتاب ولا سنة بل هى أفكار لأطباء آخرين منهم غير مسلمين كان طبهم جيداً فى زمانهم.. ونفرق بين ابن تيمية كفقيه وبين آراء ابن تيمية فى العلوم الحديثة مثل الكيمياء والطب وغيرها، فقد كان علمهم بالكيمياء وغيرها ضعيفاً جداً بحيث ظنوا أنها تشبه السحر.. وأنها حرام، ورأيه فى الكيميائيين مرفوض.. وهكذا.
ثامنا: أزمة الفكر الإسلامى الحالية هى عدم القدرة على الجمع الصحيح بين الواجب الشرعى والواقع العملى.. وبين قراءة النص قراءة صحيحة وقراءة الوقع قراءة صحيحة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة