- اختطاف "المسيحيات" و"الإيزيديات" بضوء أخضر من "المتطرفين"
- "التسرى" عادة جاهلية ليست من الإسلام فى شىء.. والفهم الخاطئ لـ"ملك اليمين" أساء للدين
- بعض خلفاء المسلمين خالفوا الرسول والراشدين وامتلأت قصورهم بآلاف "الجوارى" مستندين لفتاوى "خاطئة"
يدافع البعض عن الإسلام ضد المستشرقين والمخالفين فى العقيدة، لكن الحقيقة أن الدفاع عن الإسلام ضد المسلمين المتشددين وضد المفاهيم الخاطئة التى شوهت لأسباب ودوافع مختلفة الفقه والفكر الإسلامى، هى المعركة الأولى بالجهد، فالأولى أن نجدد محتوى الوعاء الفكرى والفقهى للمسلمين، وأن نواجه الرعب من الاقتراب منه، بسبب تهديدات المتشددين بأن من يفعل ذلك يهدم الدين، وأن أصحابها عملاء وكفار وعلمانيون يريدون النيل من الإسلام، وهى دعاوى كاذبة ومغرضة.
ففى ظل التشدد والخوف من الاقتراب من أى نقد أو التحاور مع المجهود الفقهى الإسلامى البشرى، فإن خصوم الإسلام لن يجشموا أنفسهم عناء الاختلاق والكذب لتشويه الدين الحنيف، فقط يكفيهم النقل عن هذا التراث الجامد المفارق للواقع، والمتعارض فى كثير من أحكامه مع جوهر الدين ومصالح الناس، بسبب غلبة العادات والتقاليد والأفكار للمجتمعات والعصور القديمة على أحكامه، الأمر الذى أدخل فيه ما ليس منه، كهذه القضية التى بين أيدينا الآن، وهى قضية «التسرى»، التى مثلت خطأ فادحًا سقط فيه المتشددون من الفقهاء المسلمين، وأدت إلى هجوم واسع على الإسلام، وإلى ترسيخ الصورة الذهنية الظالمة بأنه «ظلم المرأة»، وجعلها مجرد وعاء للشهوة، حيث يمكن أن يجمع الرجل بين 4 زوجات و4 آلاف أمة، كما كان الحال فى قصور بعض حكام المسلمين بعد الخلافة الراشدة.
تعريف التسرى:
بداية، فإن «التسرى» عند من يقولون به هو علاقة بين «السيد» و«جاريته» خارج إطار الزواج لا تلتزم بعقد ولا بعدد، ولا إيجاب ولا قبول ولا أجر فيها للمرأة مهرًا كان أو عتقًا، ولا يترتب عليها أى التزامات أو حقوق من أى نوع، اللهم إلا إذا أنجبت فصارت أم ولد، أما إن لم تنجب فتنتقل ملكيتها للورثة، وتصير للابن بعد أبيه، وهو ما جاء فى كتاب النكاح بالفتاوى الكبرى لابن تيمية، وورد فى مصادر تراثية أخرى.
«التسرى» دخل للإسلام من الجاهلية
والتسرى هو «عادة» دخلت أعراف الأمم التى سبقت نزول الوحى على صاحب المقام الرفيع صلى الله عليه وسلم، ثم تسربت للإسلام دون أن يحتويها نص نبوى ولا نص قرآنى، خاصة أنها كانت شائعة فى الجاهلية، ورغم أن نصوص الإسلام كانت واضحة فى التدرج بمنعها كتدرجه فى منع «زواج المتعة»، لكن سقط استقرار التشريع على ذلك عن المسلمين السنة، كما سقط استقرار التشريع على منع زواج المتعة عن المسلمين الشيعة.
المبررات الساذجة للإباحة
وحاول بعض المدافعين ومنهم د. عمر عبد العزيز قريشى فى كتابه «سماحة الإسلام»، تبرير التسرى بمبررات ساذجة، منها أنه «يحمى الأسيرات من الوقوع فى الفاحشة» كما قالوا بأنه «يحمى المجتمع من البغاء وانفلات الفواحش»، فالشباب غير القادر على الزواج يستطيع التسرى، وهو ما لم يشر إليه الرسول صلى الله عليه وسلم فى حديثه لهم بهذا الخصوص: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة، فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج، ومن لم يستطع؛ فعليه بالصوم، فإنه له وجاء» (البخارى) وأيضا قالوا إنه من «وسائل تحرير العبيد»، لكن هذا التحرير مقيّد بنجاح الأمة فى أن تلد لسيدها لتصبح بعد موته وليس فى حياته حرة، فهى فى رقها إلى أن يموت، أما إن لم تلد له فهى فى رقها إلى أن تموت.
الإسلام لم يعرف إلا الزواج
وتقطع جمهرة الأدلة الصحيحة التى تتسق وروح الإسلام العظيم السمح الكريم بأن الشريعة الغراء لم تنظم العلاقة بين الرجل والمرأة إلا داخل إطار «الزواج الشرعى» فقط، سواء من «الحرة» ولها أحكام، أو من «الأمة» ولها أحكام أخرى، وقد لزم التفريق بين هذين الصنفين وقت نزول الرسالة بسبب شيوع الرق، والعادات الخاصة به، وهو ما يعنى أن علاقة السيد بأمته لا يمكن أن تتم إلا بزواج شرعى «بعقد وعدد» و«حقوق وآثار»، ومن هذه الأدلة قوله صلى الله عليه وسلم: «من كانت عنده جارية فعلمها وأحسن تعليمها وأحسن إليها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران» (البخارى ومسلم)، ومن ضوء الحديث السابق، فإن الجارية ليست حلا للسيد دون زواج، وإلا فلماذا يأمره الرسول بالزواج منها إن كانت متاحة له تلقائيا؟!!
المعنى الحقيقى لـ«ملك اليمين» فى الإسلام
وإذا قال قائل بأن «ملك اليمين» ورد كحل من حلول الإحصان فى القرآن الكريم لغير القادرين، كقوله تعالى: «وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا» (النساء 3)، فهذا لا يعنى أن «ملك اليمين» بديل عن «الزواج الشرعى» بمفهوم «التسرى»، بل يعنى أنه بديل عنه بنوع ثان من الزواج يختلف صداقه عن صداق الحرة، فالأخيرة لا يكلف زواجها إلا مجرد عتقها، والآية السابقة بها تقديم وتأخير، وترتيبها الطبيعى هو «فانكحوا ما طاب لكم من النساء أو مما ملكت أيمانكم»، و«أو» هنا عطف يفيد «التشريك» فى حكم النكاح الذى هو الزواج كما يفيد «التخيير» بين النوعين، وهو ما يشير إليه الله تعالى بقوله: «وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ» (النساء24)، أموالكم هنا المقصود بها مهر الحرة، وعتق الأمة، فإن عتقها يعنى حصولها على المال الذى دفع فيها.
«التسرى» يناقض نصوص القرآن
يعارض القرآن الكريم «التسرى» ففى الآية «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ» (النساء:25)، يأمر الله سبحانه وتعالى «السيد» بـ«نكاح» «أمته»، نكاحا بـ«أجر» وبـ«إذن من أهلها» إن كانوا أرقاء مثلها فى خدمته، ويجب أن نتوقف عند هذه النقطة التى يتغير فيها موقف «السيد» من «آمر» إلى «راج»، فهو لا يجوز له شرعًا أن يغصب أهل «الأمة» من «أرقائه» على الموافقة على تزويجه إياها، أين هذا من أحكام «التسرى» التى لا «أجر فيها» ولا «إذن»؟.. بل السؤال الأهم: لماذا يأمر الله سبحانه وتعالى المسلم بالزواج من إمائه بأجر وإذن إن كن حلالا له بشكل مباشر؟!!
الرسول برىء من اغتصاب الجوارى
وضع الفقهاء «للتسرى» أحكامًا ثلاث، هى: أن يتمتع السيد بجاريته دون عقد، أو أن يعتقها ويجعل عتقها صداقها ويتزوجها، أو أن يعتقها ثم يمهرها صداقا جديدا ويتزوجها، والمدهش أنهم يعترفون بأن صاحب المقام الرفيع محمد صلى الله عليه وسلم لم يطبق إلا الخيارين الثانى والثالث، والحقيقة أنه لا يوجد فى الإسلام إلا هما.
ثم أليس هذا هو نفسه الذى طبقه صاحب المقام الرفيع محمد صلى الله عليه وسلم مع أمهات المؤمنين اللواتى كن سبايا معارك أو هدايا، وهو ما اعترف به الفقهاء، وهن «صفيّة بنت حيى بن أخطب» التى أعتقها كما يقول الإمام ابن القيّم فى زاد المعاد، وجعل «عتقها صداقها، فصار ذلك سُنَّة للأمة إلى يوم القيامة أن يعتق الرجل أمته ويجعل عتقها صداقها، فتصير زوجته بذلك، فإن قال الرجل: جعلت عتق أمتى صداقها صح العتق والنكاح، وصارت زوجته من غير احتياج إلى تجديد عقد ولا ولى، وهو ظاهر مذهب أحمد وكثير من أهل الحديث»، كما طبقه أيضا مع السيدة «جويرية بنت الحارث»، و«ريحانة بنت زيد النضرية»، وأيضا مع أم المؤمنين «مارية القبطية» كما أثبتنا فى بحث سابق، فالرسول لم «يتسر» بها كما تزعم كتب التراث.
على هذا الأساس السليم يأتى قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِى إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِى آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عليك)، وقوله تعالى (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً» (الأحزاب:52)، وقوله تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ» (المؤمنون 5و6) ويأتى الاستثناء فى الآية الوسطى بإباحة استزادة النبى من ملك اليمين كحكم خاص من أحكامه الخاصة بجنابه الرفيع، كوجوب تهجده ووجوب الأضحية فى حقه وإمكانية تجاوزه لعدد الزوجات الشرعى وغير ذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم تزوج من جميع نسائه سواء الحرائر أو ما ملكت يمينه.
هذا هو الفهم الذى تستقيم معه الأمور، أما الفهم الخاطئ الذى يفسر ذات النصوص بأنها دليل على «التسرى» فهو يناقض القرآن الكريم والسنة النبوية بل ويناقض نفسه، فقد تواضع الفقهاء أنفسهم على أحكام خاصة بالعبيد تسير عكس اتجاه التسرى، ومنها أنه لا يجوز للسيد إجبار عبده على الإسلام، ولا منعه من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، والذَّهاب إلى الكنيسة أو المعبد، ولا يجوز له أن يزوجه بمن لا يرضاها، ولا أن يكلفه بعمل لا يطيقه، هنا نتساءل: فكيف جاز له إجبار أمته على معاشرته؟.. ألا يمكن أن يكون هذا العمل مما لا ترضاه أو لا تطيقه؟
التسرى «الباب المفتوح» لاغتصاب النساء
الحقيقة أن «التسرى» يهدم أركان العلاقة الشرعية التى أقرتها الشريعة الإسلامية الغراء بين الرجل والمرأة، فلا حقوق من أى نوع، لا إيجاب ولا قبول ولا أجر، كما أنه يجعل المرأة مجرد فريسة، ويبيح اغتصابها وإتيانها دون رضاها، ودون أجر رغم عموم قوله تعالى: «وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شىء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا» (النساء4)، هذا فضلا عن تعارضه وهو الأقرب إلى المعاشرة «غصبا» مع أحكام معاملة الرقيق، والتى تطرقت إليها الفقرة السابقة بناء على وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قبيل وفاته بلحظات: «اتَّقوا الله فيما ملكتْ أيمانكم، أطعموهم مما تأكلون، واكسُوهم مما تلبسون، ولا تكلِّفوهم من العمل ما لا يُطِيقون، ولا تعذِّبوا خلق الله، فإن الله ملكَّكم إياهم، ولو شاء لملكهم إياكم» (صححه الألبانى)، الجزء الأخير من حديث الرسول يدعو فيه «السيد» إلى أن يضع نفسه مكان «أمته»، فلو شاء الله كان هو هى وكانت هى هو، فهل يقبل ساعتها أن يستمتع به أحد دون حقوق والتزامات؟!
ألا يتعارض «التسرى» وقول الله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا»؟ (الإسراء: 70)، فحتى الرقيق من بنى آدم هم من بنى آدم، ولهم حقوق جعلت صاحب المقام الرفيع محمد عليه الصلاة والسلام يأمر المسلمين بقوله: «لا يقل أحدكم عبدى، أمتى، وليقل فتاى وفتاتى وغلامى» (البخارى).
داعش و«شرعنة» التسرى
هذا الخطأ الكبير فى مفهوم التعامل مع «ملك اليمين» أضر بالإسلام وأعطى الفرصة لإبهاته وانتقاص عظمته، وتصويره بأنه دين شرع الرق ليجمع به نساء الممالك التى فتحها، وهو ما أدى بالفعل إلى مخاز عجت بها كتب التاريخ، وقصص الحريم فى قصور الخلفاء والأمراء كافية لإخجالنا جميعا، كما جاءنا الجاحظ بخبر شيوع استغناء المسلمين عن الزواج المقيد بالتزاماته وحقوقه، ميلا للجوارى، وقد بلغ الانحراف الناتج عن هذا «الفهم» أن سبى المقاتلون فى فتوحات الشمال الأفريقى بنات المسلمين الحرائر من الأمازيغ أو أخذوهن بما عليهم من «الجزية» رغم أنه لا جزية على مسلم ليبعنهن فى أسواق البصرة ودمشق، كما أورد بن عبد الحكم. ووصل الأمر فى زماننا هذا بـ «داعش» أن صارت تغتصب النساء من الإيزيديات والمسيحيات والطوائف الأخرى، ويتخذهن جوارى يتسرون بهن، بالاستناد إلى ما أباحه بعض فقهاء الإسلام من جواز التسرى وإباحة نكاح ملك اليمين، والدين الإسلامى برىء من هذا.
موضوعات متعلقة..
- بالوثائق.. "داعش" يحتضن "ولاد أبو إسماعيل".. الإرهاب "جمعهم" وحازم "نظمهم".. تقارير أمنية أكدت التحاق أعضاء "حازمون" بالتنظيم فى سوريا.. ولأول مرة اسم حركة "أحرار" ضمن مجموعات مصرية تقاتل ضد "الأسد"
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة