ليس صعبا ولا مستحيلا أن تصل العلاقات بين الشرطة والناس إلى بر الأمان، فلا يسعد أحد حالة التوتر والاحتقان، ولا يخفى على أحد أن قوى الشر، تقف متحفزة ومتربصة لتصنع من مستصغر الشرر حرائق كبيرة، ولا يكاد يمر يوم دون بث فيديوهات، تؤلب المشاعر وتعمق الكراهية، وتعود بالبلاد إلى أجواء ما قبل 25 يناير، حين لعبت التجاوزات والكليبات دور البطل الشرير وعجلت بالصدام، وأوقعت البلاد فى دائرة العنف والفوضى.
مصر لا تحتمل وليس أمامها خيار إلا الضرب بيد من حديد على أيدى المتجاوزين، سواء أكانوا مواطنين أو من أفراد الشرطة، والعبث المنظم الذى يحدث حاليا يجب أن يتوقف فورا، فالشرطة إذا انهارت، لا قدر الله، لن تقوم للأمن قائمة، وستعود البلاد إلى ما هو أسوأ من الأيام السوداء التى عاشتها البلاد، حين كنا ننام فى أخضان الخوف ونستيقظ على أصوات الرصاص، وبفضل الله والشعب والجيش والشرطة، تخطو البلاد بثبات على طريق الاستقرار، وترسو السفينة على شاطئ الأمان.
ما تحقق يستحق أن نعض عليه بالنواجز، وأن تبتكر العقول حلولا إبداعية للم الشمل ونبذ الكراهية، ولا يجب أن نضع رؤوسنا فى الرمال، ونزعم أن الدنيا ربيع والعلاقة بين الشرطة والشعب سمن على عسل، لا.. هذا ليس صحيحا وانقشع الخوف، وأصبحت جماعات الضغط تتحرك بشكل جماعى لمواجهة التجاوزات، مثلما فعل الأطباء والمحامون وأهالى الدرب الأحمر والفنانون، بما يعنى أن مصر تغيرت، ولا يمكن للشرطة أن تستخدم أدوات الأمس للتعامل مع أحداث اليوم.
ليس مفيدا الآن الإغراق فى تفسير وتحليل أسباب التوتر، والأكثر جدوى هو التوصل إلى حزمة من الإجراءات العملية والواقعية، لضبط المخالفات ومواجهة التجاوزات بحسم وقوة، وفى هذا الصدد أثنى على الإجراء المزمع اتخاذه بنشر الكاميرات فى أماكن الكمائن، وأثناء الحملات الأمنية، وداخل غرف الحجز وفى السجون، ترصد أولا بأول الحالة الأمنية وتضبط المخالفات، وتكون شاهدا أمينا يتم الاحتكام إليه، بدلا من الشهادات المضروبة والتحريات المنحازة والروايات الكاذبة.
العنف واستخدام القوة المفرطة والتعذيب البدنى والمعنوى، أدوات عفا عليها الزمن، ولا توجد إلا فى أشد الدول تخلفا وديكتاتورية، ولا تصدقوا افتكاسات أن الشرطة فى الدول المتقدمة ترتكب عنفا أكثر من بلادنا، فثقافتهم تقوم على احترام القانون وتقديس حريات المواطنين، حتى فى أحلك الظروف التى يواجهون فيها مخاطر إرهابية، أما ثقافتنا فلم تتحرك فى هذا الاتجاه، وعاشت البلاد عنفا فوضويا، جعل حياة الناس رخيصة وكرامتهم أرخص، ولا سبيل لاسترداد الوعى الغائب إلا بالعدالة السريعة الناجزة، التى لا تفرق بين المخطئ سواء كان شرطيا أو مواطنا.
لا ينبغى أبدا أن تتوه تضحيات الشرطة وأرواح شهدائها، فى زحام جرائم بعض الأمناء وصغار الضباط، وينبغى أن تخفف الدولة الأحمال الملقاة على عاتق الشرطة، من تأمين مباريات كرة القدم، حتى حراسة حفلات الأوبرا، مرورا بكل صغيرة وصغيرة، حتى يخيل لنا أحيانا أن الشرطة أصبحت فى حياتنا كالماء والهواء، ولا بد أن يفزر المجتمع خطوط دفاع حقيقية، وليس البديل الأمنى فقط.
ليس صعبا ولا مستحيلا أن يذهب المقبوض إلى قسم الشرطة، فيجد لوحة كبيرة مكتوبا عليها حقوقه القانونية، ومنها إخطار ذويه بمكان احتجازه وحضور محاميه، وأن تكون حياته وسلامته البدنية مسؤولية الشرطة التى احتجزته، وأن تختفى من حياتنا إلى الأبد صفعات الأيدى وإهانات الألسنة، فلم يعد لدينا طريق آخر يمكن أن نسير فيه.