كم منا يتمنى حجب الفيس بوك فى مصر؟ الكثير سيعارض بالطبع.. والكثير أيضا سيوافق، وكل فريق له مبرراته ومنطقه سواء فى الرفض التام لحجب أشهر مواقع التواصل الاجتماعى الذى أصبح مقر وسكن كثير من رواده، أو فى الموافقة والقبول لحجبه لأنه تحول من موقع للتقارب والتواصل إلى صفحات موبوءة لترويج الشائعات وأداة من أدوات حروب الجيل الرابع التى تعتمد على مثل هذه الوسائل، ومكان لتفريغ العداوات والأحقاد الشخصية والأمراض النفسية أحيانا و«خراب» للعلاقات الإنسانية والزوجية أيضا!
لكن وبعيدا عن مسألة الحجب أو الإغلاق لأسباب عامة أو شخصية أو سياسية، فالقضية أخذت بعدا جديدا آخر يتعلق بالمكاسب والخسائر والحسابات المالية، فالفيس بوك الذى تأسس عام 2004 أصبح يربح مليار جنيه إسترلينى كل ثلاثة أشهر وبلغت قيمته السوقية فى أقل من 10 سنوات 47 مليار دولار وتحول صاحبه ومؤسسه مارك روزكربيرج، 31 عاما، سادس أغنى أغنياء العالم بثروة تقدر بـ47 مليار دولار بعد أن زادت ثروته فى عام واحد 11.2 مليار دولار.
ولم يسأله أحد طوال السنوات الماضية السؤال التقليدى التاريخى «من أين لك هذا؟» وكيف ربح الفيس بوك هذه المكاسب الضخمة والمهولة فى 10 سنوات دون أن يؤدى الواجبات المفروضة عليه من دفع الضرائب المستحقة فى دول العالم الذى يستخدمه فيها أكثر من مليار شخص.
الفيس بوك حاليا فى مأزق وتهديدات حقيقية وعليه أن يقرر إذا كان لديه إرادة المواجهة أو الرضوخ لمطالب الدول بدفع الضرائب المستحقة وإلا فالحجب والخسارة قد تكون مصيره، وبعيدا عن الانتقادات الموجهة للفيس بشأن انتهاك الخصوصية وتوظيف المعلومات فى أمور أخرى غامضة، فالعملية تحولت من موقع للتواصل الاجتماعى بين البشر إلى عملية تجارية ضخمة يحقق فيها أرباحا طائلة على حساب صناعة أخرى يعمل فيها ملايين البشر منذ مئات السنين وهى صناعة الصحافة والإعلام التقليدى تعمل وفق قوانين وتشريعات ولوائح وتدفع ماعليها من ضرائب ومستحقات مالية للدولة، فى المقابل يعمل الفيس دون قيود أو قوانين بعيدا عن بلد المنشأ فى الولايات المتحدة الأمريكية.
والموقع يستغل مواد القانون الضريبى الخاصة بمنع الازدواج الضريبى، والتى تخضع الشركات الأجنبية فى سداد ضرائبها بمركزها الرئيسى فقط، وبالتالى يلجأ لإنشاء مركز رئيسى فى إحدى دول الملاذات الضريبية، والتى تنخفض بها نسبة الضرائب ومن هنا بدأت الدول تنتبه للغول الاقتصادى المسمى بالفيس بوك والمكاسب التى يحققها فى أسواقها بل ويهدد صناعات فيها دون أن يؤدى المطلوب منه، فبدأت فى التحرك والمطالبة بقيمة الضرائب من حجم الاستخدام له والإعلان عبره.
الفيس بوك يدرك عدم قدرته على المواجهة مع الدول خاصة الأوروبية ولذلك بدا يخضع لبريطانيا وأعلنت الشركة اليوم عن إجراء تغيرات فى الهيكل الضريبى الخاص بها من أجل أن تنتقل مبيعات الإعلانات الخاصة ببريطانيا من إيرلندا إلى المملكة المتحدة لأول مرة فى تاريخ الشركة، من المتوقع أن تبدأ الدول الأخرى فى شن هجوما شرسا على الشركة وغيرها من أجل الحصول على الضرائب المستحقة، ووضع حدا للتهرب الضريبى عن طريق نقل الإيرادات إلى أيرلندا، فعلى مدار الفترة الماضية كان هناك استعدادات كبيرة لهذا الأمر واتخذت عددا من الدول خطوات شد عمالقة التكنولوجيا، فرنسا بدورها تطالب بضرائب 1.6 مليار دولار من الفيس والجوجل أيضا وإندونيسيا انضمت لها والباقى فى الطريق.
أما مصر فهناك 24 مليون مستخدم وتعتبر سوقا ضخما للفيس بوك وإذا تحركت للمطالبة بالضرائب فسوف يستجيب الفيس بالضرورة، بشرط تغيير التشريعات الحالية فى محاسبة الشركات متعددة الجنسيات، ومراجعة وتعديل كل الاتفاقيات الدولية الخاصة بمنع الازدواج الضريبى. كرة الثلج تتصخم وتندفع فى اتجاه الفيس بوك وجوجل والدول بدأت تنتبه ليس فقط للمخاطر الاجتماعية وإنما للخسائر الاقتصادية أيضا وإلا فالمصير ليس معلوما لأخطر موقع تواصل اجتماعى فى تاريخ البشرية.