ماذا ستفعل حينما تذهب إلى بيتك فى يوم لتسأل زوجتك عن الغذاء فوجدتها تقول إنها طبخت لك صينية «إفيهات» بالبشاميل؟ أو حينما تذهب إلى محطة البنزين فبدلا من أن يضع لك العامل وقودا وضع لك حفنة من الضحكات؟ أو إذا ذهبت إلى السوبر ماركت لتشترى بعض مستلزمات البيت، وحينما جاء وقت الحساب أعطيت الكاشير بطاقة ائتمانك قال لك إن مرتبك لم يوضع فى الحساب فى صورة أموال، وإنما وضع فى صورة قفشات طريفة وبرامج فكاهية وبوستات ساخرة من الفيس بوك؟
للأسف نحن لا ننتج شيئا بقدر إنتاجنا للإفيهات والنكات والضحكات، وللأسف أيضا فإن إفيهاتنا وضحكاتنا لم تعد مقصورة على أوقات الترفيه أو جلسات الأنس كما كانت قديما وإنما أصبحت المادة الرئيسية الأولى فى تناولنا اليومى للأحداث. بلدنا تكاد تقع على ظهرها من تفاقم الأزمات، ونحن نكاد نقع على ظهورنا من الضحك، إذا قالت الحكومة شيئا نبادرها بإفيه، وإذا لم تقل شيئا نستبق كلامها بإفيه، حتى أصبحت السخرية من أى شىء وكل شىء هى العملة الرسمية فى مصر، يتصاغر أمامها كل شىء ذا جلال أو مهابة فى العالم كله لكل حدث حديث، وفى مصر وحدها دائما «لا صوت يعلو فوق صوت المسخرة».
لدينا أزمة فى توفير العملات الأجنبية، ولدينا معدلات بطالة مرتفعة، ولدينا اقتصاد مترهل يجاهد لكى لا يسقط فى الركود، ولدينا عشرات المشروعات المتوقفة، ولدينا مئات المنشآت السياحية والصناعية المغلقة، ولدينا نقص حاد فى الموارد، وزيادة مضطردة فى النفقات والمتطلبات، لكن برغم كل هذا لا يفكر أحد فى كيفية النهوض من هذه العثرات، ولا يبذل أحد أى مجهود لتخطى هذا السيناريو الكابوسى.
دعنى أصارحك بأننى حينما شاهدت مداخلة الرئيس عبدالفتاح السيسى مع الإعلامى عمرو أديب فإننى أشفقت على هذا الرجل مما يشعر به من خذلان، ودعنى أصارحك أيضا بأننى لمست فى حديثه المشحون أملا حقيقيا فى وسط عتمة الأزمات، نعم لدينا عشرات الملاحظات السلبية على أداء الحكومة، ولدينا عشرات الأسئلة حول مستقبل مصر ودورها ومصيرها، لكن برغم هذا فإننى تعجبت من قوة «السيسى» وإصراره على التعمير وتصميمه على السير بخطى واثقة نحو ما يحلم به، ودعنى أصارحك أيضا بأننى فوجئت بخارطة مصر المرسومة فى عقل هذا الرجل، وقدرته على علاج «عيوب الخارطة» المتوارثة بمشروعات تمهد الأرض وتيسر التنمية، ما يؤكد على شيئين أساسيين، الأول هو أن هناك أزمة حقيقية بين السلطة من ناحية، والإعلام من ناحية أخرى، وأن الرئيس عبدالفتاح السيسى يدرك تمام الإدراك - على خلاف معظم شباب الواقع الافتراضى- أننا لن نتغذى بالإفيهات، ولن نضع فى السيارة نكات، ولن نعمر حساباتنا البنكية بقفشات وضحكات.