على الرغم من أن كل الوثائق التاريخية تؤكد أن خروج اليهود من مصر عقب ثورة يوليو 1952 وما قبلها كان بمحض إرادتهم، وأن كل الشهادات التاريخية فى هذا الشأن تؤكد أن مصر لم تجبر أى منهم على المغادرة، وأنهم فضلوا بيع ممتلكاتهم والهجرة إلى إسرائيل وأوروبا، خاصة بعد حرب 1956، إلا أن إسرائيل لا تترك فرصة إلا ولوحت بفتح ملف (أملاك اليهود فى مصر) واستخدام اليهود من أصول مصرية فى الخارج لتحريك هذا الملف الكاذب.
وهو ما عادت إسرائيل لافتعاله منذ أيام، لدرجة أن منظمات يهودية قدرت عدد القضايا المرفوعة على الحكومة المصرية فى الولايات المتحدة ودول أوروبية، تطالب بتعويضات تصل إلى نحو 3500 قضية، تصل قيمتها إلى نحو 5 مليارات دولار.
وقامت صحيفة (يديعوت أحرونوت) الإسرائيلية بقيادة حملة الكذب هذه المرة، حيث ادعت كذبا منذ أيام، أنه مع إنشاء دولة إسرائيل، أعلنت الحكومة المصرية أنها سوف تصادر ممتلكات كل اليهود فى مصر إذا اتضح أنهم سيشكلون خطرا ضد الدولة المصرية، وقامت بسن قانون ضد اليهود صادرت بمقتضاه مئات المؤسسات والشركات التجارية المملوكة لليهود، وألقت بعدد كبير منهم فى السجون بتهمة تأييد الصهيونية، وقامت بترحيل عدد كبير منهم فقط بالملابس التى كانوا يرتدونها على أجسادهم، والختم على جوازاتهم بـ(الذهاب بلا عودة) بعد أن أجبرتهم على التوقيع على وثائق تؤكد أنه ليس لديهم أى أملاك فى مصر، وأنهم لن يعودوا إليها أبدا.
وإمعانا فى التضليل والكذب، بدأت إسرائيل فى نوفمبر الماضى تنظيم احتفاليه رسمية أطلقت عليها (يوم خروج وطرد اليهود من مصر والدول العربية وإيران) وأقامت مراسم وطقوس رسمية للذكرى الأولى فى ديوان الرئيس الإسرائيلى، معتبرة يوم الـ30 من نوفمبر من كل عام يوما لإحياء هذه الذكرى.
فى الوقت الذى زعمت فيه منظمة (العدالة لليهود من الدول العربية) أن 856 ألف يهودى تم طردهم فى عام 1948 وبعدها من الدول العربية، ولم تكتف بذلك بل قامت عن طريق مدير عام إدارة الأملاك بوزارة الخارجية الإسرائيلية، بإعداد مشروع قانون لطرحه على الكنيست، يلزم الحكومة الإسرائيلية بمطالبة السلطات المصرية برد أملاك اليهود المصريين الذين تركوا المدن المصرية المختلفة بداية من عام 1948 تمهيدا لوضعها على مائدة المفاوضات الدولية، فى حالة الضغط على إسرائيل بحق العودة الفلسطينية، وطالب مشروع القانون كل من مصر وعدد من الدول العربية، بتعويضات عن أملاك 850 ألف يهودى، تصل قيمتها الى نحو 300 مليار دولار أمريكى، مقسمة فيما بينهم طبقا للتعداد السكانى الأخير لليهود عام 1948.
الغريب أن فتح هذا الملف جاء هذه المرة دون مناسبة، على الرغم من أن التلويح به يأتى دائما لممارسة ضغوط على مصر عندما تجد إسرائيل نفسها فى أزمة معها، مثلما حدث عام 1998 عندما تفجرت قضية قتل إسرائيل للأسرى المصريين عام 1967، فافتعلت إسرائيل وقتها قضية أملاك ورثة (جوزيف سموحة) الذين كانوا يطالبون برد 37 فدانا فى المنطقة سموحة بمحافظة الإسكندرية، كما حاولت إسرائيل مرارا إثارة تلك القضية من قبل أثناء مباحثات السلام التى أجرتها مع مصر فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، مدعومة بمساندة جماعات ضغط ووسائل إعلام أمريكية، ووصل الأمر لدرجة أن وفدا من (لجنة الحريات الدينية الأمريكية) وضع على أجندة مطالبه من مصر فى ذلك الوقت، قضية ممتلكات اليهود، وسلم الحكومة المصرية ملفا عن أملاك اليهود فى مصر وأماكنها.
وقد تزايدت حدة الحديث فى هذا الموضوع غير مبرر منذ عامين تقريبا، عندما دشن اليهودى المصرى الدكتور (عمر كامل) الأستاذ المساعد بمعهد الدراسات اليهودية فى جامعة لا يبزج الألمانية، عبر موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" مجموعة تحت اسم (يهود مصر) جدد فيها المطالب القديمة باسترجاع ممتلكات اليهود فى مصر قبل رحيلهم.
ولعل أغرب المرات التى تمت إثارة هذا الموضوع فيها، كانت عام 2012 عندما فتح (عصام العريان) نائب رئيس حزب الحرية والعدالة والقيادى بجماعة الإخوان المسلمين، فى تصرف غريب وغير مبرر ذلك الملف داخل مجلس الشعب، مؤكدا أن دعاوى اليهود المصريين الذين خرجوا من مصر خلال فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، تؤكد أن حقوقا قد سُلبت منهم فى مصر، لدرجة أن القناة العاشرة بالتليفزيون الإسرائيلى عبرت فى ذلك الوقت عن دهشتها من الدعوة التى أطلقها العريان قائلة: (أخيرا ظهر من يريد عودة اليهود إلى مصر).
أؤكد أن ملف (أملاك اليهود فى مصر) برمته مجرد ادعاءات لا تستند إلى واقع تاريخى، وأنه مجرد ورقة ضغط تستعملها إسرائيل مستنده إلى عدد غير كبير من اليهود ذات الأصول المصرية داخل إسرائيل وأمريكا وعدد من الدول الأوروبية، لم ير أى منهم مصر، وجميعهم ولدوا وعاشوا فى دول أخرى، بعد أن باع أجدادهم كل ما يملكونه فى مصر طوعا وهاجروا إلى إسرائيل وأوروبا، وتحركهم إسرائيل كعرائس الدمى، دون أن يكون لدى أى منهم وثيقة أو سند تؤكد صدق ما يدّعون.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة