هل انقطعت شعرة معاوية مع إيران؟.. لا يخلو حديث عربى اليوم من ذكر إيران التى تحولت إلى مادة ثرية للنقاش فى الأوساط السياسية والدبلوماسية العربية، بعدما أصبحت جزءا لا يتجزأ من أحداث تعيشها المنطقة تحديدا بعد 2011، فإيران تحولت إلى لاعب أساسى فى كل أزمات العرب، من سوريا للعراق ولبنان وفلسطين واليمن والبحرين، فما من أزمة إلا ونجد تدخلا إيرانيا مرتبطا بنظرة طهران لموقعها فى المنطقة ونظرتها الجيوسياسية التى تعتبر المنطقة العربية جزءا من مجالها الحيوى.
وتستخدم إيران بالطبع العنصر الطائفى المذهبى فى تدخلاتها بالمنطقة، فهى تعتبر نفسها المدافع الأول عن شيعة العالم، وهو ساعد فى تأزيم العلاقات الإيرانية، العربية التى مرت تاريخيا بمراحل متعددة قبل وبعد الثورة الإسلامية عام 1979، إلى أن وصلت الآن لمرحلة صعبة، تتسم بالقطيعة السياسية والدبلوماسية، من جانب غالبية الدول العربية لإيران، فقد كان حادث الاعتداء على البعثة الدبلوماسية السعودية بطهران بعد تنفيذ حكم الإعدام ضد المعارض السعودى «الشيعى» باقر النمر، هو العلامة الفارقة فى العلاقات العربية، الإيرانية، فبعد هذا الاعتداء اتخذت الدول العربية خطواتها التصعيدية ضد طهران ولم تتراجع هذه الدول عن قراراتها للآن، رغم بعض المحاولات لتلطيف الأجواء دون جدوى.
نحن الآن أمام موقف فى غاية الصعوبة، فعمليا إيران لا تزال تلعب بنفس الطريقة التى اعتادت اللعب بها، بتصدير الثورة الإيرانية لدول الجوار، واللعب على الوتر المذهبى فى دول الخليج، وفى المقابل فإن الموقف العربى يزداد كل يوم صلابة فى مواجهة إيران، فمصر أعلنت على لسان وزير خارجيتها سامح شكرى قالت إن العلاقات بين القاهرة وطهران «تسير العلاقة فى مستواها الأدنى»، أما السعودية فاشترطت على وزير خارجيتها عادل الجبير أن تكف إيران عن«سياساتها الطائفية»، والتوقف عن التدخل فى شؤون الدول الأخرى المجاورة والتوقف عن دعم الإرهاب، لكى تعود العلاقات إلى طبيعتها.
وحاول الجبير شرح الأمر أكثر فقال «لقد مددنا يدنا لإيران منذ 35 عاما، منذ ثورة الخمينى فى العام 1979 ولم نتلق شيئا فى المقابل، وأردنا أن تكون لدينا علاقات سلمية مع إيران لكننا واجهنا تدخلا فى شؤوننا الداخلية، وتعطيل مناسك الحج، واغتيال أحد دبلوماسيينا، والهجمات ضد سفارتنا والخلايا الإرهابية التى زرعتها إيران فى بلادنا والدول المجاورة».. هذه هى الشروط السعودية لتطبيع العلاقات مرة أخرى مع إيران.
وبجانب السعودية فإن بقية دول الخليج تسير فى نفس الاتجاه عدا سلطنة عمان التى تعتمد دوما سياسة الحوار مع الجميع، وعدم غلق الأبواب فى وجه أحد، فدول الخليج لم تكتفِ بإيران فقط وأنما تحاول تقليم أظفر أيادى طهران بالمنطقة، فبدأت بحزب الله اللبنانى الذى تم تصنيفه خليجيا بأنه «تنظيم إرهابى»، وبدأت فى معاقبة الحزب ومنتسبيه، فالأحد الماضى ألغت السلطات الكويتية إقامات 60 لبنانيا لارتباطهم بـالحزب بعد أسبوع على إبعاد 11 لبنانيا وثلاثة عراقيين «ثبت انتماؤهم» للحزب، فى وقت يواصل جهاز أمن الدولة الكويتى أعداد قائمة جديدة تضم أسماء عدد من اللبنانيين والعراقيين المرتبطين بالحزب لترحيلهم، كما قامت البحرين بإبعاد عدد من اللبنانيين لارتباطهم بـ«حزب الله»، بعد إعلان وزارة الداخلية السعودية أنها ستتخذ إجراءات قد تصل إلى الإبعاد ضد كل من يثبت دعمه أو تأييده للحزب.
الآن نحن أمام تصعيد خليجى عربى ضد إيران يتجاوز كل ما كان متوقعا، فالنظام الإيرانى كان يعتبر كل التهديدات الصادرة من عواصم الخليج هى للتهويش فقط، لكن التهويش الخليجى تحول إلى قرارات تنفذ على الأرض، فهل تراجع طهران نفسها وتصحح أخطاءها أم تقضى على شعرة معاوية التى يتمسك بها بعض الوسطاء؟.
الكرة الآن فى ملعب طهران التى تبدو أنها تفكر بمنطق مختلف، فمنذ توقيع الاتفاق النووى فإنها تعتبر أن الغرب هو مستقبلهم، فهم لن يغيروا سياستهم بالمنطقة بل ربما يزيدون من حجم تدخلهم بعدما استطاع النظام العراقى البقاء فى وجه المعارضة القوية، وحفاظ نظام بشار الأسد على نفسه فى سوريا، وتغول حزب الله فى لبنان وسيطرته على مجريات الأحداث هناك، فكل هذه مؤشرات بأن النظام الإيرانى الحالى الذى يوصف بأنه أصلاحى يبحث عن زيادة الوجود الإيرانى فى الدول العربية دون النظر لأضرار ذلك على وضعهم الإقليمى طالما أنهم يحظون بمكاسب غربية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة