المعنى وراء الاستثمارات السعودية فى سيناء، هو أن واحدة من أكبر القوى الاقتصادية فى العالم توجه رسالة طمأنة بأن الإرهاب فى سيناء يلفظ أنفاسه الأخيرة، وأن الأيادى التى تزرع الخير والنماء ستحل محل قوى الشر الذين يحرقون ويقتلون.. رسالة طمأنة للاستثمارات التى تهرب، بأن مصر تستعيد استقرارها وأمنها، وتفتح ذراعيها من جديد لرجال الأعمال العرب والأجانب.. والأهم أن الرسالة جاءت فى وقت حاسم، تواجه فيه مصر مؤامرة كبرى، بعضها معلن وبعضها خفىّ بعد مقتل ريجينى، والتهديدات المتلاحقة التى تبعته.
سيناء تحتاج الأمن أكثر من المال، وتتطلع للعودة إلى أحضان الوطن بعد عقود طويلة من الإهمال، ولأول مرة فى تاريخها تُوضع فى برامج التنمية باستثمارات سعودية، بجانب مشروع التنمية الضخم الذى أعلنه الرئيس باستثمارات مصرية، والذى يتجاوز عشرات المليارات من الجنيهات، لتتعانق الاستثمارات المصرية السعودية على تلك الأرض الغالية التى يرويها شهداءنا بدمائهم وأرواحهم، لتجرى فيها مياه النيل، وتقام المجتمعات الصناعية والزراعية والبدوية، ويتحقق الأمن الراسخ بوجود حياة ومدن وقرى وبشر، فلا تكون مطمعًا لعدو خارجى مثل إسرائيل، ولا لعصابة إجرامية مثل حماس والإخوان.
من أهم ما لفت انتباهى أيضًا فى زيارة العاهل السعودى، زيارته للأزهر الشريف، وحرصه على تشييد رواق سكنى لاستقبال الطلاب المبتعثين من مختلف دول العالم، بما يعنى عودة الدور التاريخى للأزهر فى تخريج سفراء يحملون رسالته، من أبناء الدول الأفريقية والآسيوية، وينشرون الإسلام فى دولهم بمعانيه الحقيقية وسماحته ووسطيته، وأبطلت الزيارة الأصوات التى تهلل لمنافسة مصرية سعودية حول السيادة الدينية فى العالم الإسلامى، وخرجت من الأزهر رسالة للعالم كله تدحض الافتراءات والأباطيل التى تنسب الإرهاب للإسلام بتوقيع مصرى سعودى.
شتان بين قدوم رئيس إيران أحمدى نجاد للأزهر فى أثناء حكم الإخوان، وبين زيارة خادم الحرمين.. فقد جاء الإخوان ومعزولهم برئيس إيران، مشعلا فتنة لم تعرفها مصر فى تاريخها، محاولًا إشعال صراع بين السنة والشيعة، غير الموجودين أساسًا فى مصر، وعانق المعزول رئيس الدولة التى تهدد دول الخليج وتعربد فى المنطقة، فى محاولة لابتزاز السعودية والخليجيين، إما أن يدفعوا للإخوان -وليس لمصر- أو يتحالف مع عدوهم الذى يهدد بلادهم، أما مصر التى استقبل أزهرها سلمان فتعلى قيم العروبة، والإسلام، والوسطية، والسماحة.
أما جامعة القاهرة، قلعة الزعماء والطلاب، فقد أصبحت مثل الأهرامات، يحرص الزعماء الذين يزورون مصر على الذهاب إليها، وآخرهم أوباما الذى كنا نتعشم فيه خيرًا وأضاع العشم، ووقف فى قاعتها الكبرى يقول إن الإسلام كان أهم مكونات حضارة أمريكا، وقبله الرئيس الفرنسى جاك شيراك الذى افتتح قصر العينى الفرنساوى سنه 89، ولا ننسى أن الرئيس عبدالناصر خطب فوق مسرحها 26 مرة فى 10 سنوات، وحرصت الجامعة على تكريم العاهل السعودى، ومنحه الدكتوراة الفخرية لجهوده الكبيرة فى خدمة الإسلام والعرب والمسلمين.
فى كل الأحوال جاءت الزيارة فى وقت تحتاجه مصر، وفى توقيت بالغ الأهمية والخطورة، ورفعت السعودية شعار «الشقيق وقت الضيق»، والضيق الذى تمر به يتمثل فى أزمات اقتصادية خانقة، ومؤامرات تديرها قوى الشر، لإفشال الدولة المصرية، فجاءت حزمة الاستثمارات السعودية جرعة إنعاش تتدفق فى شرايين الاقتصاد، وترتفع بمعدلات النمو، وتخلق فرص عمل، وتقلل معدلات البطالة، وتفتح الأبواب لدول الخليج ومختلف دول العالم للعودة من جديد إلى مصر.. مصر التى تسابق الزمن للحاق بقطار النمو والازدهار، ولا تملك إلا أن تقول للشعب السعودى وخادم الحرمين.. شكرًا.