هذه زيارة استثنائية بمعنى الكلمة، زيارة العاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى مصر هذه المرة ليست مثل سابق الزيارات لملوك وأمراء المملكة العربية إلى مصر باستثناء زيارة الملك عبدالعزيز أل سعود سنة 1946 التاريخية، وكانت جامعة الدول العربية على وشك التأسيس، والسعودية هى أحد المؤسسين السبعة للجامعة، واستقبله المصريون استقبالا عظيما ووصفته الصحف المصرية وقتها بـ«صقر الجزيرة»، وغنى له محمد عبدالوهاب أغنية خاصة اسمها «يا رفيع التاج».
الزيارة الحالية للملك سلمان فى رأيى تفوق فى أهميتها وضرورتها وخياراتها مجمل الزيارات السابقة لملوك السعودية إلى مصر، والحفاوة والاحتفاء والاحتفال الكبير بالزيارة رسميا وشعبيا تعكس مشاعر خاصة من المصريين تجاه هذه الزيارة تحديدًا، فهناك شىء حقيقى هذه المرة وليس «بروتوكوليا» أو رسميا يتم فيه تبادل الابتسامات وتبويس اللحى أمام الكاميرات ويبقى شىء ما مستترا أو مسكوتا عنه فى العلاقات بين البلدين.
هذه المرة ولأن الخطر كبير والتهديدات عظيمة وحقيقية وقادة البلدين يرونها رأى العين فى وضح النهار، فهناك مصارحة ومكاشفة واختلافات فى الرؤى وليست خلافات، لكنها تناقش بمنتهى الوضوح والمصارحة والعقل، على أسس المصالح المشتركة، وحرصًا على ما تبقى من وحدة الصف العربى، فلا الوقت ولا الزمن ولا التاريخ تسمح الآن برفاهية التوتر والبرود فى العلاقات المصرية السعودية، ولا رفاهية للسماح بأى طرف من الأطراف الحاقدة والكارهة باللعب فى مساحة العلاقات بين القاهرة والرياض.
ما يؤكد كلامى هو أنه وربما لأول مرة تتعرض صلابة العلاقات بين البلدين إلى اختبار حقيقى فى الملف السورى، ورغم اختلاف الرؤى لم تبعد القاهرة عن الرياض ولم تشح الرياض بوجهها عن القاهرة. هناك عقول تدير هذه المرة وهى التى تتحكم فى إدارة الملف بعيدًا عن العواطف.
فالطرفان يدركان أنه، لا قدر الله، فى حالة حدوث مكروه لأحدهما فلا قيامة للآخر، فالمحور الأخير فى النظام الإقليمى العربى الذى مازال قويًّا وحيًّا وصامدًا هو محور «الرياض- القاهرة» وكنا نتمناه ثلاثيا كما كان فى السابق «الرياض- القاهرة- دمشق»، لكن نحمد الله أن هناك شيئًا تبقى يمكن أن يلتف من حوله باقى النظام بإذن الله، فبالحسابات التاريخية وبالوقائع الجغرافية لا قيامة للعرب بدون الرياض، ولا سلام لهم بدون دمشق، ولا وجود لهم بدون مصر.
بعيدًا عن الاتفاقيات والمشروعات الاستثمارية للسعودية فى مصر التى تبلغ نحو 60 مليار دولار، فيما يشبه مارشال سعودى فى مصر، هناك فرحة حقيقية لدى المصريين من زيارة سلمان، فالملك السعودى له منزلة ومكانة خاصة لدى الشعب المصرى، بل «سلمان منا نحن المصريين آل البيت الكبير فى مصر»، وهو بيت العائلة العربية، وهو بيت العرب الحقيقى الذى يحتمى فيه ويلجأ إليه الجميع فى حالة قوته، وينهض أيضا الجميع لتقويته وترميمه إذا ما أصابه ضرر، ولم لا فالملك سلمان كان من أوائل الذين تطوعوا فى الجيش المصرى لمقاومة العدوان الثلاثى فى حرب 56، واستمر له دوره العروبى عقب نكسة 5 يونيو، وساهم فى دعم المجهود الحربى حتى قامت حرب أكتوبر المجيدة وانتصرت مصر والعرب.
هناك فرح وحفاوة، بعيدًا عن بعض الحمقى والمتربصين بالزيارة، لأنها مليئة بالمفاجآت السارة، فقد حسم الملك قضية الجسر البرى وما تردد حوله منذ أكثر من 20 عامًا، وقرر إنشاءه ليجسر العلاقة السياسية والاقتصادية والتجارية والاجتماعية بين البلدين، وإعلانه من القاهرة يؤكد أيضا استثنائية الزيارة وتاريخيتها، المفاجأة الثانية التى فرح بها المصريون هى لقاء الملك ولأول مرة فى تاريخ العلاقات المصرية السعودية مع بابا الأقباط المسيحيين فى مصر البابا تواضروس الثانى، فى معنى ومغزى سياسى واجتماعى ودينى واضح ورسالة للداخل المصرى والسعودى وللخارج أيضًا، وتعنى الانفتاح على الجميع وهو ما يدعو إليه الدين الإسلامى السمح والوسطى، المفاجآت كثيرة مادام سلمان فى كنانة العرب.. مصر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة