فى تقديرى أن هناك خطأ من الإدارة المصرية فى التعامل مع مسألة تعيين الحدود بين مصر والسعودية بشأن جزيرتى تيران وصنافير اللتين ستعود تبعيتهما للملكة العربية السعودية وفقا للوثائق التاريخية والرسومات الفنية بعد أكثر من 110 أعوام من السيطرة المصرية عليها التى نشبت بسببهما حرب يونيو 76 واحتلتهما إسرائيل حتى عادت إلى آخر سيادة عليها وهى السيادة المصرية وفقا لاتفاقيات معاهدة كامب ديفيد وعادت منزوعة السلاح وتحت مراقبة وإشراف قوات دولية.
الخطأ فى المفاجأة للرأى العام المصرى الذى وقع فريسة لكثير من المتربصين والحمقى والجهلاء للتشويش والشوشرة على الزيارة التاريخية والاستثنائية للملك سلمان بن عبدالعزيز إلى مصر، ولتصفية الحسابات مع الرئيس عبدالفتاح السيسى.
للأسف وقع كثير من المثقفين المصريين فى الفخ الإخوانى وفى المتربصين بالزيارة وهم الذين راهنوا على توتر العلاقة بين الرياض والقاهرة وفى القطيعة بينهما وبالتالى سقوط آخر قوى وطنية فى المنطقة فى مستنقع الفوضى والخراب.
لم يتمهل الأصدقاء من المثقفين والسياسيين والإعلاميين فى القراءة والفحص والعودة إلى الوثائق التاريخية وانساقوا وراء الأكاذيب الإخوانية وأبواقها.
لكن الذنب أولا وأخير والمسؤولية تقع على الإدارة المصرية فى إدارة ملف ترسيم أو تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية. فالمفاجأة أصابت غالبية الرأى العام بالذهول والصدمة، ورغم حجم الزيارة وأهميتها، حدثت الشوشرة والتشويش بإثارة المزاعم بأن مصر تنازلت عن السيادة فوق أراضيها فى جزيرتى تيرانا وصنافير.
كان من المفترض أن يتم التمهيد لاتفاقية أو بروتوكول تعيين الحدود وإعلانها للرأى العام، فقد تشكل مجلس التنسيق المصرى السعودى قبل نهاية العام الماضى فى نوفمبر أو ديسمبر على ما أذكر، وكان من المفترض طالما أن هناك لجانا مصرية سعودية مشتركة تبحث فى مجالات التعاون الاقتصادى والتجارى المشترك وهى لجان معلومة عبر وسائل الإعلام، أن يتم الإعلان عن اللجنة المشتركة لإعادة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين وشرح قضية الجزر للرأى العام المصرى حتى لا نمنح الفرصة المجانية للمتربصين بمصر وبالرئيس لإثارة الانقسام والتوتر فى الشارع المصرى بسبب مفاجأة الإعلان عن الاتفاقية.
بالتأكيد الاتفاقيات التى تم التوقيع عليها من الجانبين المصرى والسعودى تم الإعداد لها والتشاور حولها ودراستها بدقة ومن بينها اتفاقية تعيين الحدود، قبل زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز بفترة كافية، ولم توقع فجأة دون دراستها من الجانبين والاتفاق عليها.
فى ظنى هذا هو الخطأ الأكبر فى القضية، التى جعلت الكثيرون يتحولون إلى خبراء تاريخيين وجغرافيين وبحريين ومتخصصين فى شؤون الحدود التاريخية بين الدول. فالبعض من «خبراء المصاطب» يرى أنها جزر مصرية لأنها تقع على بعد 6 كيلومترات من الحدود المصرية فى شرم الشيخ وأن عبدالناصر أعلن فى إحدى خطبه قبل نكسة يونيو بأنها جزر مصرية.
بالمنطق ذاته يمكن القول بأن جزر حنيش فى مضيق باب المندب هى جزر مصرية لأن البحرية المصرية كانت تسيطر عليها أبان حرب أكتوبر 73 وأغلقتها أمام الملاحة الإسرائيلية قبل الحرب ولم تنسحب منها إلا عام 79 بسبب اتفاقيات كامب ديفيد أو نقول إنها جزر تابعة لإريتريا لأنها تبعد 40 كيلو متر فقط عن السواحل الإريترية وتبعد حوالى 70 كيلومتر عن السواحل اليمنية.
ومع ذلك ورغم الحرب التى دارت فى منتصف التسعينيات بين اليمن وإريتريا على تبعية الجزر، قررت الأمم المتحدة بتبعية الجزر لليمن بعد دراسات عملية وفنية أثبتت أن الجزر امتداد طبيعى للساحل اليمنى تحت أعماق البحر رغم أنها الأبعد عن الساحل اليمنى والأقرب للساحل الإريترى وتم حسم النزاع بتبعيتها لليمن.
مثل هذه القضايا لا تناقش على مواقع التواصل الاجتماعى أو المقاهى والمصاطب وإنما عبر لجان فنية مشتركة كان من المفترض أن يتم الإعلان عنها خلال الشهور الماضية. وهذا هو الخطأ الذى أسميه سوء الإدارة المستمر للأزمات فى مصر.