الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة تعلم أن المهرجانات لم تحقق المرجو منها، سواء من الناحية الثقافية أو السياسية، ولم تخدم المواطنين فى المحافظات المختلفة، بل تقام لمجموعة بعينها من السينمائيين والفنانين والكتاب والنقاد، تتم دعوتهم لحضور المهرجانات فى القاهرة والأقصر والإسماعيلية والإسكندرية، تحجز لهم الفنادق و«بونات» الطعام، ليخرج كل منهم يقول شعرًا فى المهرجان، ويتغزل فى القائمين عليه، ليقتنع المسؤولين بنجاحه.. والحكايات فى هذا الشأن كثيرة.. «رئيس مهرجان سبق أن منع بونات الطعام عن أحد الكتاب كان يصطحب معه عائلته على حساب المهرجان بمجرد أن كتب عن بعض العيوب، وهناك رؤساء مهرجانات يصنفون الكاتب أو الناقد بهذا معنا وذاك ضدنا قبل أن يوجهوا له الدعوة».. إدارة المهرجانات لا تمنع اصطحاب الضيوف عائلاتهم، ولا ندرى إذا كانت تطبق القواعد فى دعوة الضيوف أم لا، ومن يتحمل نفقات العائلة، الضيف أم المهرجان؟!
الواقع يقول إن بعض رؤساء المهرجانات لا يدركون أهميتها، ولا يعملون على تحقيق أهدافها، خصوصًا فى السنوات التى تلت 25 يناير، حيث لم تصل رسالة المهرجان إلى مستحقيها من أهل المحافظة التى يقام بها المهرجان، ولا على المستوى العالمى أيضًا.. لذلك أصبحت مهرجانات مصر- وعلى رأسها القاهرة السينمائى- فى خفوت مستمر، حتى باتت ضجيجًا بلا طحن.. كذلك الأفلام المصرية التى تعرض فى المهرجان يرفضها أصحاب دور العرض، عكس ما كان يحدث فى الماضى، إذ كانوا يتخطفون أفلام المهرجانات، وبالتحديد فى فترة رئاسة الكاتب سعد الدين وهبة لمهرجان القاهرة، أما الآن فلا يرغبون فى عرضها، وسط كم التساؤلات التى نضعها على مكتب وزير الثقافة حلمى النمنم بخصوص المهرجانات الفنية فى مصر، يبرز سؤال مفاده: لماذا لم تعلن وزارة الثقافة عن ميزانية كل هذه المهرجانات التى تنظمها وتدعمها؟، وما مردودها الثقافى والسياسى؟
الناقد الفنى سمير فريد يرى أن مشكلة المهرجانات غياب الشفافية، وعدم اتباع الأصول المهنية، ويقول لـ«اليوم السابع»: «الأصول المهنية للأسف غائبة عن المهرجانات، وخلال فترة رئاستى للدورة الـ 36 من مهرجان القاهرة السينمائى ذهبت للبنك الأهلى، وكشفت عن المتبقى من ميزانية المهرجان عقب انتهائه 30 نوفمبر 2014، فكان الرصيد 3 ملايين و700 ألف جنيه، ولم يطلعنى أحد على التقرير النهائى الذى يقدم من وزارة المالية، رغم مطالبتى بمعرفة المصروفات واطلاعى على التقرير أكثر من مرة، لكن دون جدوى».
أيضًا، لماذا لا نكتفى بمهرجان واحد يذهب له كل الدعم، أسوة بالإمارات العربية؟.. هذا السؤال يجيب عنه الناقد الفنى طارق الشناوى قائلاً: «عندما نقول للمسؤولين إن هناك ضرورة لوجود مهرجان عربى واحد يقولون إحنا وافقنا خلاص على مهرجان كذا»، موضحًا أن كثرة المهرجانات تعتبر إهدارًا للمال العام، لأنها تقام لتحقيق هدف واحد، لا يتحقق فى الغالب.
وطرح الناقد تساؤلاً: «هل نحن على المستوى العربى لنا قيمة؟ هل لدينا مهرجان قوى؟»، لافتًا إلى أن دبى لها قيمة ومهرجانها ناجح جدًا، وعندما نتحدث عن السينما العربية تكون «دبى» هى قِبلة للسينما العربية وليس مصر، كما أضاف قائلًا: «المسؤولون بيبعتروا فلوسهم، فنجد الحكومة تعطى هذا المهرجان مليون جنيه، والآخر مليونًا ثانية ثم مليونًا ثالثة، وإذا جمعنا هذه الملايين مع الوضع فى الاعتبار انخفاض قيمة الجنيه المصرى، فقد نقدم بها شيئًا له قيمة».
وأشار «الشناوى» إلى أن الراحل سعد الدين وهبة عندما كان رئيسًا للقاهرة السينمائى فى عام 1995 أحس أن المهرجان لم يعد قادرًا على جذب الأفلام العربية، فقام بتخصيص جائزة مادية كبيرة على المسابقة العربية تبلغ نصف مليون جنيه، عندما كان الدولار يبلغ 2.5 جنيه، وكانت هذه الجائزة تجذب قطاعًا كبيرًا من المهتمين بالسينما، لكن حاليًا المهرجان لا يجذب حتى السينما المصرية، مشددًا على أن رجال الأعمال المصريين يتعين عليهم إدراك أن هناك رسالة ثقافية عليهم تبنيها، وأن مهمتهم ليست مقصورة على المشروعات الاقتصادية فقط.
وحول أسس اختيار رئيس المهرجان.. قال الناقد الكبير: «اختيار رئيس مهرجان القاهرة يتم من خلال وزارة الثقافة، هى التى تختاره كل عام، منذ عهد كمال ملاخ، وتملك الدولة عدم التجديد لرئيس المهرجان إذا أرادت، بدليل أنها فى عام 1984 استردت مهرجان القاهرة من الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، والتى كانت برئاسة كمال الملاخ، وكان بالتبعية يرأس المهرجان، لكن الدولة سحبته من الجمعية ووجدت مخرجًا قانونيًا لذلك، ولم يستطع كمال ملاخ أن يقول شيئًا، وكانت الدورة برئاسة كمال الشيخ «شكليًا»، وكان مدير المهرجان والرئيس الفعلى سعد الدين وهبة، أما مهرجان الإسكندرية التابع لجمعية كتاب ونقاد السينما، فاللائحة لا تمنع أن يترأس المهرجان رئيس الجمعية، وفى أكثر من مرة تولى رئاسة مهرجان الإسكندرية رئيس الجمعية، وفى أحيان أخرى أُسندت لآخرين»، وأشار الناقد إلى أن رئيس المهرجان يجب أن يجمع بين مهارات الإدارة الجيدة، والتأثير فى الحياة الثقافية، لكى يكون واجهة مشرفة.
وأضاف طارق الشناوى: «يجب أن تحس الدولة بمهرجان القاهرة، لأن الهدف الرئيسى منه هو جذب الجمهور، ولكن نظرًا للأسباب الأمنية تقتصر عروضه على الأوبرا فقط، وهو أمر يجب أن يتغير، وأناضل من خلال وجودى فى اللجنة العليا للمهرجانات للهروب فوق أسوار الأوبرا، وأعتقد أن ماجدة واصف، رئيس القاهرة السينمائى، لديها الإرادة للهروب خارج أسوار الأوبرا هذا العام، ويجب أن يخاطب وزير الثقافة وزير الداخلية لتأمين دور العرض لحل هذه المشكلة، خاصة أنه فى الأوقات العادية يتم عرض الأفلام بالسينمات بشكل طبيعى، ولابد أن تحل هذه المشكلات ولا يتم الاستسلام لها، ورغم أن المهرجان كان السينمائى يقام فى مكان واحد وهو الـ «palais»، فإن به أكثر من 400 دار عرض، وأمام الـ «palais» هناك أكثر من دار عرض عادية تعرض أفلام المهرجان، والسينمات تكون 12 شاشة أو أكثر، كما أن أسبوع النقاد يقام فى «ميرامار»، وأسبوعى المخرجين فى هيلتون، كل هذا بعيدًا عن الـ«palais»، كما أن مدينة كان صغيرة، ولكن القاهرة كبيرة، لكننى مع أن تكون الأوبرا المكان الرئيسى للمهرجان، وأتمنى أن يُعرض مهرجان القاهرة فى أكتوبر ومدينة نصر والهرم وغيرها من المناطق».
ولفت الناقد إلى إنه يتحتم على المسؤولين عن مهرجان الأقصر للسينما الأوروبية تغيير مكان إقامته من الأقصر إلى محافظة أخرى، مثل أسوان، مشيرًا إلى أن إقامة مهرجانين فى الأقصر كانت «غلطة» وزير الثقافة الأسبق عماد أبوغازى، حيث وافق على إقامة مهرجان الأقصر الأفريقى أولًا، ثم وافق على مهرجان الأقصر الأوروبى، متسائلًا: هل نستمر فى الخطأ؟
وأوضح «الشناوى» أنه ينادى بإقامة مهرجان عربى كبير يليق باسم مصر، وكتب مذكرة فى هذا الشأن لوزير الثقافة، حلمى النمنم، لأن هناك أكثر من مهرجان عربى غير مؤثر قائلًا: «يجب أن ننظر للخريطة كاملة، ونختار جهة واحدة لإقامة هذا المهرجان، هل سيكون مهرجان القاهرة الذى يوجد به بالفعل قسم آفاق للسينما العربية، أم مهرجان الأقصر الأوروبى الذى به قسم عربى استحدثته ماجدة موريس، أم المهرجان العربى فى بور سعيد، المقترحة فكرته حاليًا، أم فى مهرجان الإسكندرية الذى يحتوى على المسابقة العربية؟، وقبل اتخاذ قرار نهائى يجب أن نجلس مع كل الأطراف لنعرف ما المشكلة التى تجعل كل هذه البرامج فى المهرجانات المختلفة غير مؤثرة، خاصة أن مصر تحتاج لمهرجان عربى يليق باسمها، وليس من المهم مكان إقامته، كما أن الدولة يجب ألا تدعم 3 أو 4 مهرجانات تحمل الصفة العربية»، فيما قالت الناقدة ماجدة موريس، رئيس مهرجان الأقصر للسينما الأوروبية، إنها توافق على دمج المهرجانات السينمائية المصرية المتعددة فى مهرجان واحد، فى حالة وضع الحكومة خطة متكاملة لحل أزمات صناعة السينما، لأن وجود المهرجانات يدعم الصناعة، قائلة إنه إذا لم يكن هناك بديل عن المهرجانات لدعم السينما فلا حاجة لإلغائها.
وأضافت: «إذا وافقت وزارة الثقافة على دعم إنتاج 5 أفلام سينمائية كاملة، أرحب بإلغاء المهرجان»، ولفتت ماجدة موريس إلى أن أحد عوامل نجاح مهرجان دبى السينمائى يتمثل فى أن الإمارات تخصص صناديق لدعم الأفلام العربية الكبرى، وبالتالى يتم عرض هذه الأفلام لديها أولًا قبل أى مهرجان آخر، وهذا حدث مع فيلم «قدرات غير عادية» للمخرج داود عبدالسيد، وفيلم «قبل زحمة الصيف» للمخرج محمد خان، وفيلم «نوارة» لهالة خليل، وغيرها، فى الوقت الذى لا تجد فيه المهرجانات المصرية أفلامًا تحمل اسمها تشارك فى فعالياتها، ولذلك فإن المشكلة الحقيقية لا تكمن فى المهرجانات وعددها، ولكن الصناعة «خربانة من كل حتة»، ومصر تحتاج لأن تخطط بشكل متكامل لثقافة السينما بما فيها تنظيم عدد المهرجانات، وصناديق التمويل، ووضع خطة واضحة لاستعادة دور العرض التى أصبحت مهدمة أو مهجورة، مشددة على ضرورة إصدار قوانين جديدة تلزم الدولة بدعم أفلام تمثل مصر فى المهرجانات».
وقال الأمير أباظة، رئيس مهرجان الإسكندرية، إن وضع المهرجانات فى مصر يجب ألا تتم مقارنته بالإمارات، لأن المهرجانات السينمائية هناك ليس لها تاريخ يضاهى تاريخ المهرجانات المصرية، مستشهدًا بأن مهرجان القاهرة السينمائى الدولى مر على تأسيسه 40 عامًا، حيث انطلقت أولى دوراته عام 1976، فى حين أن مهرجان دبى لم يمر عليه سوى 10 سنوات، وأبوظبى تم إلغاؤه بعد 7 سنوات، وأشار إلى أن ميزانيات المهرجانات المصرية ليست كبيرة مثلما يتخيل البعض، قائلا: «إحنا بنعمل مهرجانات بملاليم لأن عندنا النجوم والصناعة والأفلام».
موضوعات متعلقة..
كواليس ختام مهرجان القاهرة السينمائى..فيفى عبده تحضر ثم تذهب لعزاء مديحة سالم.."تاتو" مادلين طبر يلفت الانتباه.. منتجة سورية تخطئ فى اسم المهرجان.. وأفلام السبكى تخرج مصر من المسابقة الرسمية بلا جوائز
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة