رحم الله الخال عبدالرحمن الأبنودى، كان عنوانا للتراث الشعبى، ومنبرا لنبض المواطن البسيط، دائما كانت قصائده تحمل هموم الشارع ومشاكله، وتتضمن مزيجا من العبارات العامية البسيطة التى ما أن تسمعها تحفظها عن ظهر قلب.. عام على رحيل الخال.. سريعا ما مرت الأيام ولكن بقيت السيرة الذكية.. قبل عام كتبت مقالا فى مدحه كان نصه:
قابلت الخال عبدالرحمن الأبنودى مرة واحدة قبل 9 شهور، وتحدثت معه هاتفيا 3 مرات فى مناسبات مختلفة، تعلقت بكثير من أشعاره وكلماته الخالدة، غير أننى تعلقت أكثر بالعلاقة الطيبة بينه وبين صديقى وائل السمرى وما يحكيه لنا السمرى من قصص الخال، ومن وقت لآخر كنت أسأل السمرى عن صحته وعن آخر أخباره. وقبل شهرين كانت «الكتوبة الحلوة» لوائل السمرى عن الخال، اختار لها عنوان «القلب الأخضرانى»، ونشرت فى صفحة كاملة بـ«اليوم السابع»، قرأتها مرات، وبعد أن أنتهى أقرأها من جديد حبا فى الكلمات التى وصف بها السمرى الخال، وحبا بالأساس فى الخال ومعدنه الأصيل. من بين الكلمات المؤثرة عن الخال: «الشاعر طفل العالم، ولا يقدر العالم على القفز نحو المستحيل إلا بجسارة طفل وشجاعة طفل، ونزق طفل، وحيوية طفل ونعومة طفل، وهذا هو الشاعر، وهذا هو عبدالرحمن الأبنودى، طفل العالم المشاغب المنفعل، المستهتر بانضباط والمندفع باتزان، المخلوق من عرق الأرض وملحها، تراه فتدرك أن مصر غالبا ما تختار، أن تحل فى أحد أبنائها فتأخذ منهم رحيق الحياة، وتمنحهم محبة الناس ليظلوا فيها خالدين، ولأن «من ذاق عرف.. ومن عرف اغترف»، نهل الأبنودى من نبع المحبة الرائق فى قلب مصر العميق، فأصبح مصهورا فى حبها، مندمجا فى تضاريسها، مفتونا بحواريها وقراها وفقرائها وشعرائها، وأناشيدها ومواويلها وملاحمها وملامحها، ويظل مفتونا بوطن مشتهٍ، يسير إليه أينما سار، ويراه حقيقة بينما يراه الآخرون وهما». يقول السمرى: «ما الحياة إلا بضعة اختيارات، وقد اختار الأبنودى أن يقع مختارا فى الغواية، غواية الحب وغواية الوطن وغواية الشعر، مثله مثل كبار شعراء الإنسانية، يعرفون أن الحياة غواية كبيرة، ومع هذا يغرقون فيها على أمل باكتشاف أعماقها، والنهل من معين أسرارها، قالها أحد الشعراء قديما «ومن عجب كيف أخدع عامدا» وقالها الأبنودى أيضا فى أغنيته الشهيرة «أنا كل ما أقول التوبة يابوى ترمينى المقادير»، وهو بتلك الأغنية يصف رحلته فى الحياة ويسرد تاريخه ومستقبله فى كلمات بسيطة، تحمل الكثير من المعانى العميقة، والمقادير لم تخدع الأبنودى أبدا، لكنه قرأ «لعبة الحياة» مبكرا، فتعامى عن سذاجتها، واشترك مختارا فى «اللعبة»، لعله يصل فيها إلى ما لم يصل إليه أحد، وفى طريقه سار الأبنودى لا يعبأ بأحد ولا يكترث كثيرا لمدح أو قدح، هو يعرف طريقه جيدا ولا يسير إلا فيه، ولا يعبر إلا عما بداخله من آلام وآمال، يندفع بكامل طاقته نحو الفكرة والمعنى والحلم، يلومه الكثيرون فيدركون بعد زمن أنه كان يرى أبعد مما يرون، لكن الكبر يتملكهم فيظلون على كبرهم عاكفين، يرى «المقادير» مقدرة سلفا، لأنه يعلم أن ما يتحكم فى البشر عادة متكررة، حب، طموح، غيرة، حسد، شره، كراهية، أنانية، بضعة خصال إنسانية نراها فى كل البشر، وطبيعى أن يتماثل رد الفعل إذا ما كان الفعل واحدا، وطبيعى أيضا أن يفطن صاحب «القلب الأخضرانى» إلى هذا الأمر المفضوح، فيقرر أن ينساب مع الحياة وتفاصيلها، ولا يتوب عن المضى فيها حتى آخر رمق، محاولا أن يقول لها، «هأنذا». أحب السمرى وأعشق الأبنودى.. رحل الله الخال، وحفظ لنا نعمة «الكتابة الحلوة».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة