من هؤلاء وماذا قدموا للفن المصرى والأغنية المصرية حتى تشكل لهم عصابات من الفتوات لحمايتهم من كل من يتجرأ المساس بهم من المعجبين أو غيرهم أو التعرض لهم من رجال الأمن؟
نسمع عن أسماء لا حصر لها يوميا بصدور عارية وبقصات شعر غريبة وبـ«تاتوهات ورسومات» على الأذرع وبملابس هى خليط بين ملابس النساء والشباب، تخلع على أنفسها صفة «فنان» وغيره من الأوصاف الغريبة والعجيبة دون أن يكون لهم رصيد حقيقى من الغناء سوى كلمات عبثية لا معنى لها تصاحبها موسيقى صاخبة تستثير هياج الشباب فى حفلات شبه مجنونة لا يستفيد منها سوى هواه استعراض مهارات التنطيط والقفز والرقص وبأحدث موديلات الملابس الغريبة التى تستفز أبناء الطبقات الاجتماعية الفقيرة.
هذه النوعية من «أشباه الفنانين» تتمتع بقدرة كبيرة فى تسويق ذاتها من خلال وسائل الإعلام المختلفة، خاصة الفضائيات الفنية التى تلهث وراء مطرب لا قيمة له ولا وزن وربما كل رصيده أغنية أو أغنيتين تنتشر فقط فى أوساط معجبيه ولا يعرفها باقى المصريين. ومع ذلك تتوهم فى نفسها أن لها أعداء ومنافسين يتربصون بها، بالتالى لا بد من الاستعانة بأفراد حراسة، بودى جاردز يعنى، بعضلات مفتولة وأجساد ضخمة ونظارات سوداء فى عز الليل يحيطون بهم والتعدى على من يحاول الاقتراب منهم أو لمسهم دون أية اعتبارات للقانون.
وهذا ما حدث مع الضابط المسكين المهذب الرائد أسامة رجب مفتش مفرقعات مدينة أكتوبر عندما حاول ممارسة مهام وظيفته خلال حفل لمطرب اسمه محمد حماقى بجامعة الأهرام الكندية بضرورة التزام الأشخاص، البودى جاردز، المصاحبين للأخ حماقى بالتعليمات الأمنية والخضوع للتفتيش والمرو عبر البوابة الإلكترونية، لكنهم طبعا رفضوا وحطموا البوابة واعتدوا بالضرب المبرح على الضابط الذى تم نقله الى المستشفى بين الحياه والموت.
فعل وحوش حماقى ذلك لإحساسهم أنهم فوق القانون وأن هيبة الدولة الممثلة فى ضابط الشرطة لا قيمة ولا اعتبار لها، وأظنها فرصة ذهبية من رجال الشرطة بعد القبض على هؤلاء البلطجية لاثبات أن هيبة الدولة موجودة وقوية وتتمتع بصحة وعافية لرد الاعتبار للضابط، وبالقانون أيضا.
من هؤلاء حتى يستعينوا بحراسات للاعتداء على خلق الله و تخويفهم..؟ ماذا لو كان واحد منهم فى مكانة وقيمة عبد الحليم حافظ مثلا هل كان سيستعين بجيش مدجج بالسلاح؟
ما لا يعرفه هؤلاء الذين يتجرأون على الفن والغناء أن حليم وهو فى قمة الشهرة والمجد الفنى كان يمشى فى الشارع بلاحراسة أو «بودى جارد»، وهذا سر عشق الناس وحبهم له وسر بقائه فى قلوب ووجدان الملايين، رغم وفاته منذ حوالى 40 عاما.
رحم الله حليم، الذى كان يشعر بمتعة خاصة عندما يمشى وسط الناس يصافحونه ويداعبهم رغم مشقة المرض. حكايات كثيرة عن علاقة حليم بالناس فى الشارع وفى المسرح تدل على تواضع فنان عاش من أجله إسعاد جمهوره. وكما حكى الموسيقار هانى مهنى، فقد كان يقود السيارة والى جانبه حليم فى وسط البلد فى شارع 26 يوليو وفى الزحام تتوازى السيارات وأتوبيسات النقل العام الى جوار سيارة حليم ويتزاحم ركاب الاتوبيسات للسلام عليه وشد ذراعه وسط فرحة حليم وخوف هانى عليه.
وفى إحدى الحفلات صعد إليه طفل يدعوه لعيد ميلاده. وأخذ حليم منه كارت الدعوة وأعطاه لهانى مهنى. وبعد يومين سأله حليم عن الدعوة واندهش هانى مهنى وسأل حليم «هل فعلا ستذهب لعيد الميلاد». وبالفعل اصطحب حليم هانى الى عيد ميلاد الطفل فى شارع شريف وكانت مفاجأة سارة وغير منتظرة من أهل وأقارب وأصحاب الطفل.. حكايات كثيرة معروفة عن حليم وعلاقته بجمهوره لا يعرفها اشباه الفنانين وانصاف المواهب هذه الأيام.. هذا هو الفارق بين الفنان الحقيقى وجمهوره وبين متسولى الفن والغناء هذه الأيام.