«أى بلد سيستقبلكم فى حال حاجتكم إلى اللجوء»، هذه الجملة المكثفة المعبرة هى جزء من نص للكاتب العالمى شكسبير من مسرحية «The Book of Sir Thomas More» التى كتبها فى نهاية القرن الـ16 فى مرحلة شبيهة بما يحدث الآن، حيث شهدت لندن تدفقا للاجئين بشكل كبير، خصوصا البروتستانت الذين أتوا من فرنسا، مما أثار التوتر القوى داخل المجتمع البريطانى الذى شعر بالخطر لدخول آخرين مختلفين عنهم إلى بلدهم، وهذه المسرحية الشكسبيرية تقيم حوارا بين الفيلسوف توماس مور عمدة مدينة لندن وحشود من سكان لندن، الحشود تطالب بطرد هؤلاء «الأجانب»، لكن الرجل «مور» يطالبهم بوضع أنفسهم مكان هؤلاء المهاجرين، وأن يفكروا فى هذا الوضع الاستثنائى الذى فرض على اللاجئين بلا رغبة حقيقية منهم فى الحضور ومغادرة أوطانهم، هذه المسرحية وثيقة ودليل على الإنسانية التى تليق بشكسبير الذى يحتفل العالم بمرور 400 عاما على رحيله الذى يثبت أن الكاتب العظيم هو من يرى العالم أكثر اتساعا، وتكون للإنسانية نصيب فى إبداعه يظهر فى تعاطفه مع المستضعفين فى الأرض.
وشكسبير ليس فقط مجرد مبدع كتب نصا يتعاطف مع اللاجئين، لكن حتى مسرحياته الأخرى ما زالت قادرة على تحقيق نوع من التماهى العام مع الواقع، خاصة المسرحيات التى تعبر عن الاغتراب الإنسانى الدائم الذى أصبح صفة ملازمة للإنسان، ومنذ فترة ليست بعيدة قدم ممثلون من مسرح جلوب شكسبير مسرحية «هاملت» أمام نحو 300 لاجئ فى كاليه الفرنسية داخل مخيمهم المعروف باسم «الغابة»، وذلك لمد اللاجئين بشحنات إيجابية من التفاؤل ومساعدتهم على التأقلم مع حياتهم الجديدة وتحمل صعوباتها، ومن قبلها قام المخرج والممثل السورى نوار بلبل بعرض «شكسبير فى الزعترى»، وكان ثمرة عمل مع أطفال مخيم الزعترى، والمعروف بأنه مخيم اللاجئين السوريين الأكثر شهرة، والأكثر بؤساً.
ومن الطيب والإيجابى ما فعله المجلس الأعلى للثقافة باحتفاله بمرور 400 عاما على رحيل شكسبير، وذلك بتخصيص 5 أيام لمسرحه وإبداعه يعرض فيها الأفلام المأخوذة عن مسرحياته كما يعرض مسرحية هاملت، وربما تكون هذه فرصة جيدة لقادة وزارة الثقافة فى سبيل العودة للاهتمام بالمسرح فى مصر، وأن تركز الدولة بشكل أكبر مع هذا الفن ومع رجاله ومبدعيه.
بالتأكيد فى أدبنا العربى الكثير من النصوص المسرحية التى تدور حول الاغتراب وتناقش قضايا اللاجئين، لأن هذه القضية بالنسبة لنا أزمة دائمة، حتى من قبل وجود جيش الاحتلال الإسرائيلى، كما أن مبدعينا المعاصرين بالتأكيد لديهم كتابات جديدة ومختلفة فى صالح هذه القضية، لذا أن نخرج هذه النصوص ونقدمها ونتضامن مع اللاجئين العرب وغيرهم فى كل العالم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة