«إوعى حد يقولك ماما ولا بابا عايزاك تروح معاه».. من منا لم يسمع هذه الجملة التحذيرية من أمه أو أبيه فى الماضى، ونحن صغار نتشكك فى كل شخص غريب يقترب منا.
اليوم لم نعد نقول هذه الجمل الهادفة التى تسلح أطفالنا بالحذر من أى إنسان لا نعرفه، ربما يكون انشغال الأمهات بالشات على الفيس بوك والواتس أب، أو فقدان الأب لدوره داخل أسرته مفضلا عدم العودة مبكرا والتسكع على المقاهى والكافيهات، وراء الفجوة بين الأهل وأطفالهم ودائما يكونوا آخر من يعلم؟! ما حدث مؤخرا فى إحدى المدارس الدولية الخاصة فى مدينة نصر من تعرض أحد الأطفال الذى لا يتجاوز عمره الثلاث سنوات إلى عملية اغتصاب وهتك عرض عنيفة لا تتناسب مع سنوات براءته، ولولا ضغط الأم على طفلها لما تم اكتشاف هذه الواقعة التى أفرزت حقائق أكثر بشاعة عندما وجهت أصابع الاتهام إلى أحد عمال المدرسة الدولية التى تدفع فيها الأسر عشرات الآلاف من الجنيهات، وربما بالدولار أو الإسترلينى، معتقدين أنهم كلما دفعوا أكثر، وكلما عرفت المدرسة بأنها مدرسة دولية، كان الإحساس بالأمان أكثر. وأشد ما يحيرنى أن قانون العقوبات مازال يتعامل مع هذه الجرائم بصورة كاريكاتيرية، فهناك المادة 306 «أ» والمادة 306 «ب» من القانون تجرم التحرش الجنسى، بدءا من التحرش اللفظى وحتى الفعل بالسجن لمدة 6 شهور، وتصل العقوبة إلى خمس سنوات، وغرامة تصل إلى 50 ألف جنيه.
أليس مضحكا ومؤلما حقا أن تنتهك الأعراض وتذبح براءة الأطفال والعقوبة تتساوى مع حوادث السرقة والحوادث المرورية والشيكات بدون رصيد. واليكم الدليل على أن هذه العقوبات تافهة لدرجة النيل من آدمية وكرامة البشر، هل تعلمون أن مصر على قائمة الدول الأكثر تحرشا فى العالم. هل تعلمون أنه يقع فى مصر أكثر من 20 ألف حالة اغتصاب وتحرش سنويا، وأن %85 من الضحايا أطفال، وأن %45 من هؤلاء الأطفال يتم إجبارهم على عدم البوح بما حدث لهم، وأن %20 من هؤلاء الأطفال الضحايا تنتهى حياتهم بعد الاغتصاب قتلا وذبحا وتنكيلا. لن أذكركم بحادثة بورسعيد والطفلة زينة ذات الأربع سنوات وغيرها من الحوادث المفجعة.. التى ينتفض المجتمع على بكرة أبيه أياما وأسابيع، ولا يسعنا غير الشجب والمطالبة بتغليظ العقوبة. ولا أحد يسمع أو يتحرك.. كأنما نتنظر ضحية جديدة تجعل الدماء تغلى فى عروقنا وتدمر نفسيات أطفال فى عمر الزهور.
استغربت من أحد مسؤولى وزارة التربية والتعليم بعد اكتشاف الجريمة بأنه يعلق فى أحد البرامج التليفزيونية، أن التحقيق مازال مستمرا ولن نتخذ موقفا إلا بعد التحقيق.
أى تحقيق سيادة المسؤول، ودعنى أسألك لو كان هذا الطفل هو ابنك.. هل كنت ستتعامل بكل هذا البرود؟ وتنتظر التحقيق على اعتبار أن المتهم برىء حتى تثبت إدانته.. أم أنك سيكون لك رد فعل آخر؟! وأتساءل هل تكون براءة الطفولة كاذبة وتحتاج إلى دليل؟ وهل هناك دليل أقوى من هذا الرعب الذى رأته هذه الأم فى عينى ابنها ولمحته فى نبرة صوته وارتعاشة جسده الصغير؟! أستحلفكم بالله يا كل الأمهات.. ويا كل الآباء صدقوا أولادكم.. احتضنوا فطرتهم، فالفطرة لا تعرف الكذب. وإلى المشرع المصرى الذى هو فى الأصل أب صالح ضع نفسك مكان والدة زينة.. ورؤى.. وعمر وكل الأطفال الذى ألقى بهم التوربينى من فوق القطارات والكبارى.. ضع قانونا مغلظا يكون أدناه الإعدام وأقصاه الإعدام، فلا تأخدك شفقة أو رحمة حتى ولو كان المجرم مختلا عقليا، فهو جرثومة لابد أن تقتلع من جذورها وتحرق. فبقاؤه على قيد الحياة يعنى مزيدا من تلوث الهواء وقذارة التربة، وأن يكون الإنجاز فى الأحكام لمثل هذه الجرائم سريعا قاطعا.
فهذه هى الجريمة الوحيدة التى ليس لها دافع إلا الشر المطلق والخراب..اللهم بلغت اللهم فاشهد.