عادل السنهورى

السيولة الثورية فى مصر

الأحد، 17 أبريل 2016 10:06 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ما أثار الانزعاج هو استغلال قوى الشر لمظاهرة الجمعة



أتعاطف مع الذين تظاهروا أمام نقابة الصحفيين يوم الجمعة الماضى، وأتفهم الدوافع الوطنية للبعض منهم، والذى أعرفهم بشكل شخصى، ولا أشك فى نواياهم الطيبة فى التظاهر من أجل قضية وطنية ثار حولها الجدل الكثير، وشكلت لدى البعض صدمة وطنية نتيجة مفاجأة الإعلان عن توقيع الاتفاقية، رغم أن القضية قديمة ومنذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد وتجددت فى بداية التسعينيات، وشارك فيها خبراء قانونيون مخضرمين، ومن حق كل إنسان أن يعبر عن رأيه بالوسيلة التى يراها وبكل أشكال التعبير عن الرأى. والتظاهر أحد هذه الأشكال، والتى يكفلها القانون والدستور لإبداء الرأى وحرية التعبير. ولا خلاف فى ذلك ولا اختلاف عليه.

الوعى فقط بالغرض من التظاهر والهدف منه هو أصل المسألة فيما حدث يوم الجمعة أمام نقابة الصحفيين، التى تثبت على الدوام أنها أيقونة النضال الوطنى فى مصر، وملاذ وملجأ لكل صاحب قضية أو رأى من فئات الشعب المختلفة. المتظاهرون والمحتجون أمام النقابة أثبتوا حيوية الضمير الوطنى ويقظته مهما كانت حالة الجدل حول القضية، وأن الشباب الذى وقف ليدافع عن وجهة نظره ويعبر عن موقفه، وأن هؤلاء خرجوا مطالبين بالحقيقة حول قضية الجزيرتين.

لكن ما أثار الانزعاج هو استغلال بعض أصحاب النوايا الخبيثة وقوى الشر لمظاهرة أمس الأول، ومحاولة إشعال الموقف فى الشارع وعلى صفحات التواصل الاجتماعى، فقد خرجت فئران الكتائب الإلكترونية لتغزو صفحات الفيس بوك وتويتر بصور قديمة وبشائعات وأكاذيب أخذت تروج لها لتهييج الشارع وتحريض الناس على القيادة السياسية. والمفارقة أن قناة الجزيرة لم تتابع أخبار التجمعات إلا بشكل عابر وبالشعارات المناهضة للسلطة فى مصر، لأن بالطبع القضية ليست على هواها وتتعلق بقضية السعودية طرف فيها، وقطر تخشى من غضبة المملكة واستفزازها، بعد أن راهن أميرها على الرياض فى التصالح مع مصر.

المزعج أيضا فى تظاهرات الجمعة أمام نقابة الصحفيين أن البعض انساق وراء شعارات الإخوان وتلبسته حالة 25 يناير، ورفع شعارات «ارحل»، وإعادة إنتاج الشعار الكريه والمقيت الذى أنتجه الإخوان «يسقط حكم العسكر». وهنا بدت المسألة ليست مسألة اختلاف مع نظام سياسى حول قضية الجزر، وإنما توظيف من جماعات وعناصر تستهدف الفوضى والخراب للتحريض على «ما تدعيه» بالثورة الجديدة، وهى عناصر معروفة بإصابتها المزمنة بالسيولة الثورية. وللأسف انجر كثير من الأصدقاء وراءها وبدا كأن فيروس السيولة انتقل إليهم باستدعاء حالة مغايرة تماما لثورة ضد نظام استوطن مصر ونظام يتلمس خطواته، واستطاع إنقاذ مصر من سيناريو كارثى وكابوسى، وحطم أوهاما كثيرة بدعم من الشعب الذى خرج يطالبه بالنزول والحكم واختاره رئيسا، ثم حقق أهدافه الأولى فى الاستقرار السياسى، ويمضى وسط التحديات والمخاطر وبعض العثرات لمرحلة البناء.

وبنوايا حسنة وطيبة- رغم أن هذه النوايا تؤدى إلى جهنم- انساق من نثق فى ضمائرهم الوطنية خلف شعارات السيولة الثورية، ودون إدراك حقيقى للهدف الخبيث الكامن خلف الشعار. وكأن الأصدقاء لا يتعلمون الدرس أبدا، وكأن درس اختطاف الثورة من الجماعة الإرهابية لم يستفد منه أحد. فراح البعض الذى أخذته الثورة بالإثم يتحدث ويكتب على صفحته عن «روح يناير» و«الينايرجية» و«الثورة الجديدة»، فى وجود وجوه معروف عنها أنها «عاوزة جنازة وخراب وتشبع فيها لطم».

لم ينتبه الأصدقاء إلى الذئب الأمريكى المتربص الذى استغل بدوره ما حدث، وحاول إعادة إنتاج ما مضى ببيان من البيت الأبيض، كان ينتظر أن تشتعل الأحداث لتنفيذ سيناريو الفوضى السورية والليبية فى مصر، وبمساعدة من الأصدقاء الثوريين أصحاب النوايا الطيبة والدوافع الوطنية المخلصة. وكما قال الراحل الساخر أحمد رجب ذات مرة فى «نص كلمة»: «لا أخاف على مصر من الأعداء، وإنما أخاف عليها من بعض المصريين».





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة