محسن حسنين

البنوك تنافس تجار المخدرات!

الثلاثاء، 19 أبريل 2016 08:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هى حاجة من اتنين: إما إن البنوك فى السوق المصرى تعمل فى بلد تانية خالص غير مصر التى نعرفها.. أو إننا مش من البلد دى..! وأنا أرجح إننا مش من البلد دى..!
فمن غير المعقول أن تتجاوز أرباح معظم البنوك العاملة فى السوق حاجز المائة فى المائة بل إن بعضها أغرق الدنيا إعلانات تؤكد أن الأرباح بلغت 154% وأن ربح ثلاثة أشهر فقط تجاوز المليار جنيه!
وهذا يعنى ببساطة، وآسف للتعبير، أن أرباح البنوك تقترب من أرباح تجارة المخدرات، إن لم يكن قد تجاوزتها!
كل هذه الأرباح "الخرافية" تعنى إن وضعنا الاقتصادى زى الميلامين جامد ومتين؛ وأن كل ماتتحدث عنه الحكومة بل والمؤسسات الدولية عن مشاكل الاقتصاد المصرى من عجز فى الموازنة العامة وعجز تجارى وديون متلتلة وغيرها من المشاكل كلها هو أضغاث أحلام وشائعات مغرضة!
وكنت أعتقد أننى الوحيد الذى لفتت نظره هذه الظاهرة.. ظاهرة "الأرباح الفاحشة" للبنوك العاملة فى السوق المصرية؛ لكننى فوجئت أن الظاهرة لفتت أنظار الكثيرين من المتعاملين فى السوق.. وكانت محور دردشة ساخنة بينى وبين بعض الأصدقاء المهمومين بالشأن الاقتصادى؛ ومنهم خبراء اقتصاد ومسئولون فى منظمات أعمال.. ومستثمرين.. أحدهم كان يتحدث بحرقة وألم لأنه يعانى الأمرين فهو صاحب واحد من أكبر مصانع المكيفات فى مصر، وهو أيضًا رئيس شركة سيارات متعثرة كانت تقوم، حتى سنوات مضت، بتجميع سيارة من ماركة عالمية شهيرة.. لكنها أغلقت أبوابها وأصبحت خاوية على عروشها بسبب امتناع البنوك عن إقراضه.

الغريب أن كل هؤلاء أكدوا أن هذه الظاهرة، ظاهرة أرباح البنوك الفاحشة، تؤكد أن "فيه حاجة غلط".. وأن البنوك تغرد خارج سرب الاقتصاد المصرى.

وعلى طريقة الاستعانة بصديق سألت صديقى المفكر الاقتصادى الكبير الدكتور فاروق شقوير عما تعكسه هذه الظاهرة من سلبيات وخلل، ومدى خطورتها على الاقتصاد.. فأكد لى أن هذه الأرباح "تسومانية"، نسبة إلى إعصار تسونامى الذى يضرب بعض دول آسيا، فلا يبقى ولا يذر.. والمعنى أنها قد تطيح بالاقتصاد المصرى!.

فهذه الأرباح الخيالية لا تعكس الوضع الحقيقى للاقتصاد؛ لأنها توحى أننا نعيش فى اقتصاد رخاء ورفاهية، على الرغم من أن معدل النمو لم يتجاوز 2.5%، بالإضافة إلى العجز المزمن فى الموازنة العامة، والعجز فى ميزان المدفوعات، وارتفاع الديون لأرقام فلكية.. وتوقف أعداد كبيرة من المصانع عن الإنتاج.. إلى آخر ذلك من الأوضاع الاقتصادية غير المواتية التى نعلمها جميعًا.
وهذا الوضع يؤكد أن هناك خللاً فى العلاقة بين مختلف السياسات الاقتصادية؛ فالدولة "تدلل"، إن جاز لى التعبير، الجهاز المصرفى وتعامله على أنه كيان مستقل عن باقى القطاعات.. ما دفع مسئوليه إلى العيش فى برج عاجى عازلين أنفسهم، طواعية عن كل مشاكل وهموم الاقتصاد.. وهو أمر لا يصب أبدًا فى صالح الاقتصاد ولا البلاد والعباد؛ ناهيك عن أنه لا يعكس الأوضاع الاقتصادية ولا الأوضاع الحقيقية للبنوك نفسها.

فالبنوك العاملة فى مصر لا تطبق المعايير المعمول بها والمتعارف عليها عالميًا.. فنسبة التوظيف يجب أن تكون فى حدود 85%.. لكنها فى مصر لا تتجاوز الـ45%.
بل إن محافظ البنك المركزى اعترف فى حديث تليفزيونى، أشرت إليه فى مقالى الأسبوع الماضى، أن بعض البنوك لا تتعدى نسبة التوظيف فيها نسبة 15%!
أما عن المجالات التى توظف فيها البنوك أموالها فهى فى أغلبها لا تخدم الاقتصاد بصورة فاعلة.. فالجانب الأكبر من التوظيف يتم توجيهه لشراء السندات وأذون الخزانة التى تطرحها الحكومة لسد العجز فى الموازنة.
والحقيقة أننى أعتبر أن مثل هذا الاستثمار، وكما كتبت فى العديد من المقالات فى نفس هذا المكان وفى غيره، هو استثمار يناسب الأرامل والأيتام ومكسورى الجناح من أصحاب المدخرات الذين لا حول لهم ولا قوة، لكنه لا يليق أبدًا بجهازنا المصرفى العملاق.
بل إن الدكتور شقوير لا يتردد فى اتهام البنوك بإساءة استخدام المدخرات الوطنية وعدم توجيهها الوجهة الصحيحة التى تخدم الإقتصاد ومصالح المودعين ومساهمى البنوك.. ويرى أن البنوك لا يجب أن تتباهى بأرباحها الوهمية؛ بل يجب أن تتوارى خجلاً!
ويرى أن الحل هو فى إنشاء مجلس أعلى للسياسات الاقتصادية للتنسيق بين مختلف السياسات خاصة المالية والنقدية؛ وإعادة صياغة العلاقات بين جميع القطاعات، خاصة العلاقة بين الجهاز المصرفى وباقى قطاعات الاقتصاد.
وبالإضافة لما يطالب به الدكتور شقوير أرى ضرورة إنهاء مهزلة ما يسمى بالقوائم السوداء فى البنوك؛ والتى تحظر على البنوك إقراض العديد من الصناعات والمشروعات المهمة، كما يحظر عليها إقالة المشروعات المتعثرة من عثرتها؛ بل أنها تعتبر، كما أشرت فى مقال الأسبوع الماضى، أصحابها "سوابق"، وتعاملهم معاملة المسجلين خطر!.
ويمكننا تلخيص كل ماسبق فى عبارة واحدة وهى ضرورة إجراء إصلاح شامل وفورى للجهاز المصرفى بإعتباره القاطرة التى ستنتشل الاقتصاد من مستنقع الأزمات والمشاكل الغارق فيه حتى أذنيه.. فالوضع الراهن خطير وهو قد يسر عدوًا لكنه أبدًا لا يسر صديقًا ولا أى وطنى مخلص لهذا البلد.
• رئيس تحرير مجلة أكتوبر السابق.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة