الشرطة المصرية أمامها خياران.. أن تعترف أو أن تعترف
منذ اللحظة الأولى التى تم فيها الإعلان عن اختفاء المواطن الإيطالى جوليو ريجينى فى القاهرة، اكتسبت القضية بعدا دوليا وسياسيا مبالغا فيه، فالإعلان عن الاختفاء بدأ من الصحف الغربية، وتضخيم الحادث وتسييسه بدأ أيضا من الصحف الغربية الأمريكية قبل الإيطالية، وتوجيه الاتهام العشوائى بدأ من الوكالات الغربية المفترض فيها المهنية والتجرد، ثم توالت الشائعات الممنهجة فى اتجاه الاتهام والحكم المسبق على الشرطة المصرية لحظة بلحظة، والاستهتار بأى دليل يناقض هذه الشائعات الممنهجة.
مع العثور على جثة ريجينى ملقاة فى حفرة بالقرب من مبنى أحد الأجهزة الأمنية فى أكتوبر، انطلقت الصحف ووكالات الأنباء «المهنية جدا» وطوابير المنتمين للأجهزة الاستخباراتية واللجان الإلكترونية بسيول من التحليلات والاتهامات والسخرية من أجهزة الأمن المصرية، مع أن ألف باء منطق يستبعد أن تكون أجهزة الأمن هى الفاعلة وفى نفس الوقت تلقى بجثة القتيل إلى جوار إحدى مقراتها، لتعطى إيحاء بأنها هى المتهمة والمسؤولة عن الجريمة.
وبعد تشريح الجثمان ووجود آثار تعذيب وضرب وكدمات على جثة ريجينى، تحركت الآلة الجبارة للميديا الغربية فى كل الاتجاهات، واعتبرت أن عمليات الضرب والتعذيب حكرا على أجهزة الأمن والشرطة المصرية ودفعت فى اتجاه بناء رأى عام موجه بأن الجريمة لو كانت جنائية لم يكن الجانى مضطرا إلى تعذيب الضحية، كما بدأت المعارضة الإيطالية تدخل على خط الكيد السياسى لرئيس الوزراء ماتيو رينزى وتتهمه بتفضيل المصالح الاقتصادية مع القاهرة على حياة مواطن إيطالى وأن النفط والغاز فى نظره أهم من دماء ريجينى، فى إشارة واضحة للاستثمارات الإيطالية الضخمة فى حقل الغاز المصرى العملاق «ظهر» بالبحر المتوسط.
ومع اكتشاف متعلقات ريجينى فى بيت شقيقة أحد أفراد عصابة سرقة الأجانب بالقاهرة، قلنا إن القضية بدأت تتضح معالمها المغلقة، وبدأت أجهزة الأمن تتحرك فى اتجاه بحث علاقات هذا التشكيل العصابى بريجينى وبأى أطراف أخرى يمكن أن تفيد فى حل القضية، لكن الميديا العالمية ووكالات الأنباء تحركت فى اتجاه أن الشرطة المصرية تحاول الدفاع عن نفسها باختلاق متهمين، وتوالت الأخبار المبنية على شائعات وأقوال مرسلة، تؤكد على رفض ما توصلت إليه الشرطة المصرية.
كان أبطال الميديا العالمية من صحف ووكالات أنباء ونشطاء، بعيدون كل البعد عن تفاصيل التحقيق، لكنهم لم يكونوا يخجلون من إصدار الأحكام القاطعة والتحليلات الفلسفية المزيفة التى تصب فى هدف واحد وحيد وهو إحكام حلقة الاتهام حول الشرطة المصرية، وبدأت وكالات الأنباء تصك مصطلحات غريبة حول «الحقيقة التى تخدم النظام»، و«الحقيقة المريحة»، و«الحقيقة السهلة»، وكلها مصطلحات تصادر على أى جهد تبذله أجهزة الأمن المصرية، وكأن الشرطة مطلوب منها حقيقة واحدة تفصيل، أن تعترف وتقر بأنها وراء مقتل ريجينى، حتى لو كان ذلك هو الزيف بعينه، حتى تتمكن الأطراف الدولية المتربصة لمصر من أن تتخذ الإجراءات التى تريدها وأولها تخريب العلاقات الاقتصادية بين القاهرة وروما ووقف الاستثمار فى حقل ظهر الغازى ومنع أية اكتشافات أخرى محتملة فى المنطقة البحرية المصرية.
هل المطلوب من الشرطة المصرية أن تستسلم لما يراد لها وأن تعترف بجريمة لم ترتكبها حتى ترضى المتربصين الغربيين؟ وهل المفترض أن نرضى بأن يدمر الأعداء والمنافسون مصالحنا السياسية والاقتصادية؟!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة