في الظلام الدامس بالحديقة التي تم بناء مسجد النور بجوارها الآن،جلست المجموعة التي ستنفذ الهجوم علي الكلية الفنية العسكرية يوم 18 إبريل 1974،وهو الحادث الإرهابي الذي نفذه أعضاء التنظيم،واشتهر تاريخيا باسم"الفنية العسكرية"نسبة إلي عملية اقتحامهم للكلية التي فشلت لكن تركت وراءها 13 قتيلا،وقصة عن الإرهاب حين يعمي قلوب شباب في عمر الزهور،وفي المقالين الماضيين تناولت هذه القضية من خلال قراءتي لكتاب"هاتف الخلافة ..شهادة جديدة علي أحداث الفنية العسكرية"للدكتور أحمد الرجال،أحد أعضاء التنظيم،تحرير وتقديم الدكتور كمال حبيب .
يتحدث"الرجال"عن أنهم جلسوا في الحديقة منتظرين من سيقوم بنقلهم إلي مكان تنفيذ العملية ، واستعرض كامل عبد القادر الطالب في بكالوريوس طب الإسكندرية الخطة،وتم تقسيم الموجودين إلي مجموعات،وكان منوط بالمجموعة التي فيها"الرجال"مهاجمة البوابة رقم 2 بالكلية وذبح أحد حراسها،وينفذ"الرجال"عملية الذبح بمطواة بسوستة،سلمها كامل عبد القادر إليه قبل فترة ودربه علي استخدامها،ويتذكر"الرجال"أن عبد القادر قال له وهو يلقنه دوره :" فلتذبح هذا القلب"،ولا مانع من تقييد الحارس بحبل قبل ذبحه.
فتحت مهمة"الذبح"المكلف بها"الرجال "باب الأسئلة عنده،وطرح علي نفسه الإجابة عليها،وأهمها أنه لا يمكن أن تنتصر"الجماعة"هكذا وهي تخطو أولي خطواتها نحو إقامة دولة الإسلام،وترقب كيف سيكون رد فعل زملائه،قال الشيخ محمد حجازي وكان وقتها مجندا في القوات المسلحة بمنطقة الجبل الأخضر:هذا خطأ لن أشترك فيه ولكني سوف أنتظر ما يسفر عنه الأمر،وفهمها جلال شفيق ومصطفي الصبروتي وانسحبا من الميدان .
دارت الدنيا ب"الرجال"وتملكته الحيرة إلي درجة أنه لما ركب تاكسي من العباسية إلي باب الحديد ،أفضي بهمه علي السائق العجوز فنصحه بإبلاغ رئيس الجمهورية شخصيا لمنع حدوث المذبحة التي كان مقررا أن تحدث في الساعة الواحدة صباحا ، وأوصله السائق إلي باب منزل الرئيس وهو يقول له :"لسه فيه وقت يابني روح وأنا حوصلك والله معك ، ولكن حذاري أن تخبئ عنهم أي شئ"،وفي المنزل وأمام عقيد بالحرس الجمهوري يسمي "قورة " وآخر اسمه أحمد حمدي ،روي "الرجال " قصته،فسخرا منه وضحكا باستهزاء شديد :" اتهماني بالجنون وسألاني عن الوجهة التي قدمت منها فأخبرتهما :من العباسية ، ليزداد ضحكهما وسألاني باستهزاء :سوف تقومون بانقلاب عسكري بمطواة وحبال ، صحيح دي طريقة عظيمة سوف نقوم بتدريسها ، أزعجتنا بما فيه الكفاية ، روح ياولد مع العسكري ده واخرس خالص "، وتركاه لفترة ثم عادا متجهمين وطلبا منه ركوب سيارة لينتقل بها إلي مبني أمن الدولة في لاظوغلي"
في"لاظوغلي"بدأت مرحلة جديدة من القضية،بدأت علي نفس نهج حالة الاستهتار التي بدأت في منزل الرئيس :" قابلني مقدم علي الباب يدعي ثروت إدريس كانت مقابلته فيها شئ من الصرامة والجدية ، بخلاف من وجدوا في منزل رئيس الجمهورية وصرخ في من توه ، قائلا :الكلام اللي قلته في منزل الرئيس مش مضبوط إحنا رحنا ولم نجد شيئا ، وسوف نحاكمك علي الكلام الفاضي ده ، واحنا ناقصين خبلان ، قل لي مين اللي بعتك وتقصد إيه بالضبط ، عموما احنا حنعرف كل حاجة ، ثم قام بتسليمي إلي شخص آخر ليتم إيداعي احدي الزنازين في الطابق تحت الأرضي " .
في تمام الساعة الثانية والنصف صباحا ، تم استدعاء " الرجال " علي عجل إلي مكتب وزير الداخلية اللواء ممدوح سالم ، وكان يجلس فيه اثنان ، اللواء سيد فهمي رئيس مباحث أمن الدولة ووزير الداخلية فيما بعد ، والعميد محمد الغمراوي ، لكن الاستدعاء تم بعد تنفيذ المذبحة ..ويتبع
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة