اسمه «جهاز الأمن» مهما تبدلت أسماؤه أو تغيرت مظاهرة، فالأمن هو الشىء الوحيد الذى يطلبه الواحد من «الشرطة» أو «البوليس» أو «رجال المخفر» أو «العسس» الأمن وحده، والأمن فحسب، والأمن وكفى، فبلا أمان لا يستطيع العامل أن يعمل، ولا يستطيع الطالب أن ينجح، ولا يستطيع العائل أن يعول من معه، ولهذا فقد استقبلت خبر القبض العشوائى على الكاتب باسم شرف والصحفى سامح حنين ورسام الكاريكاتير مخلوف بمزيد من الرعب، فلو كانت الحملة الأمنية الذى ألقت القبض عليهم تقصدهم بالاسم لكانت المصيبة أهون، لكن الكابوسى فى الأمر أن قوات الشرطة التى اعتقلتهم فى مساء يوم الخميس الماضى قادتهم إلى عربة الترحيلات بالصدفة، وبصحبة ما يقرب من عشرين شابا كانوا يجلسون على مقهى فى وسط البلد، وصحيح أن اعتقالهم لم يدم لأكثر من ساعتين وصحيح أيضا أن القوات التى اعتقلتهم اعتذرت لهم على هذا الخطأ، لكن صحيح أيضا أن بقية الشباب المعتقل لم يفرج عنه حتى كتابة هذه السطور، وصحيح أيضا أن هناك ما يقرب عشرين شابا كانوا يمرحون مع أصحابهم ويحتسون الشاى وفجأة وجدوا أنفسهم محاطين بالضباط من كل جانب ومقتادين إلى الحبس دون أن يفعلوا أى شىء.
لشاعر الشعب «أحمد فؤاد نجم» قصيدة بليغة تصف هذا الحال من اختفاء الأمان فى شوارع مصر الجميلة المعشوقة، إذ يقول الفاجومى:
كل عين تعشق حليوة وإنتِ حلوة ف كل عين
يا حبيبتى قلبى عاشق واسمحى لى بكلمتين
كلمتين يا مصر يمكن هما آخر كلمتين
حد ضامن.. يمشى آمن.. أو مآمن يمشى فين؟
قصرك المسحور غيلانه أغبى من دود الغيطان
بعد مص الغصن الأخضر ينحتوا عضم العيدان
وإللى خلا الأرض خضرا واللى خلا الدار أمان
عاش بجوعه ملو جوفه مات بخوفه م الغيلان
روح الغلبان ما قالشِ عن شقا العمر اللى كان
كلمتين لمصر يبقوا هما آخر كلمتين
حد ضامن يمشى آمن
أو مآمن يمشى فين
تلك إشارة بالغة القسوة، وهذا أمر لا يجب أن يمر مرور الكرام، أمر يستحق أن نضىء له كل الإشارات الحمراء، فليس أمر على الواحد من أن يتبدد الأمن على يد رجال الأمن، وتصير عربة الترحيلات أقرب إلى الواحد من حبل الوريد.