الوكالة البريطانية تختلق الأخبار لإشعال قضية ريجينى
يوم أسود للصحافة والصحفيين أن تنهار واحدة من الأساطير المهنية التى تربينا عليها، أن تضطر وكالة «رويترز» البريطانية العريقة إلى اختلاق الأخبار لخدمة سياسة حكومة ديفيد كاميرون وأجهزة استخباراته، الرامية لإشعال قضية الشاب الإيطالى جوليو ريجينى بالباطل.
يوم أسود بكل المقاييس لجيلنا الذى تربى على مبادئ رويترز الثلاثة، الدقة، المصداقية، السرعة، ولو سألت أحدا ممن عملوا فى تلك الوكالة ووصلوا إلى مناصب قيادية عن ترتيب هذه العناصر سيقول لك المصداقية والدقة والسرعة، ثم يتفاخر قائلا، إن نشر الخبر معناه التأكد من مصداقيته من ثلاث مصادر مختلفة، فلا تملك إلا أن تترحم على ذلك الزمن الذى كانت الوكالة تطبق فيه هذه المعايير الصارمة حتى بنت سمعتها العالمية، لأنها الآن تختلق الأخبار الموجهة سياسيا وتنسبها إلى مصدر مجهّل، ولا تملك حتى فضيلة الاعتذار.
الوكالة العالمية الشهيرة فاجأتنا بخبر صاعق، نقلا عن مصدر أمنى مصرى، يفيد باحتجاز الإيطالى جوليو ريجينى فى أحد أقسام الشرطة قبل العثور على جثته مقتولا، وبثت الخبر أولا على أنه شريط عاجل فى خمس عشرة كلمة، ثم استكملت الخبر بمصدر معلوم من أجهزة الشرطة ينفى فيه أن يكون لأجهزة وزارة الداخلية علاقة بمقتل ريجينى للإيهام أولا بمهنيتها ومصداقيتها، وأنها سألت أكثر من مصدر للحصول على المعلومة، وثانيا للإيهام بأن النصف الأول من الخبر والذى يؤكد فيه مصدر أمنى مجهول احتجاز ريجينى صحيح.
وعلى الفور اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعى وبثت المواقع الإخبارية والصحف الخبر المغلوط والمزيف بكل اللغات، وتأججت من جديد قضية ريجينى فى وسائل الإعلام الإيطالى، وبدأت ماكينات الشائعات فى اختلاق الوقائع وإضافتها على الخبر المزيف الأصلى كما توالى الهجوم على وزارة الداخلية وأجهزة الأمن المصرية، على اعتبار أن رويترز «مش ممكن تكذب أو تختلق»، وأنها عنوان للمصداقية والدقة، لكن المفاجأة أن الداخلية المصرية خرجت وكذبت رويترز، ثم أصدرت بيانا بالقصة كاملة وكيف أن مندوب الوكالة بعث برسالة موبايل لرئيس مباحث الأزبكية يسأله: هل احتجزتم ريجينى أو قبضتم عليه؟ وعندما لم يرد رئيس المباحث، اختلق مندوب الوكالة الخبر وبثه بكل اللغات، لا أقول بجرأة ووقاحة، ولكن أقول بضغط سياسى وتوجه استخباراتى قادر على تدمير أكفأ المؤسسات المهنية.
أنا شخصيا انتظرت، بعد أن كشفت الداخلية تلاعب الوكالة فى بيان شديد اللهجة أكدت فيه احتفاظها بحق مقاضاة مصدر الخبر المزيف، انتظرت أن تخرج الوكالة بأى تبرير للخطأ أو اعتذار عنه أو تكذيب له، أو مواجهة الداخلية بما تدافع به عن نفسها ومصداقيتها، لكنها لم تفعل أيا من ذلك والتزمت الصمت الرهيب، وهذا يعنى أنها تراهن على رسالتها السياسية الموجهة أكثر من اهتمامها بالمصداقية والدقة، وأنها تراهن كذلك على أن صوتها فى العالم أقوى، حتى لو كان مزيفا مختلقا، من صوت وزارة الداخلية التى أصبحت مجنيا عليه لا يعرف كيف يدافع عن نفسه.
عن نفسى أنصح وزارة الداخلية والهيئة العامة للاستعلامات بالتنسيق الفورى مع جميع سفاراتنا فى الخارج حتى نشرح فى بيانات واضحة كل أشكال الكذب السياسى والحروب الموجهة من خلال أكبر المنابر الإعلامية ووكالات الأنباء العالمية التى باتت تستخدم تقارير تستند إلى مصادر مجهلة وكتابات مرسلة على سوشيال ميديا لتمرير رسائلها المسمومة ضد بلدنا.
علينا مواجهة هذه الحرب القذرة بمثلها ورد الصاع صاعين بكشف كل من له صلة فى تأجيج الهجمات الاستخباراتية المعيقة لمصر من خلال منصات الشائعات والأخبار المغلوطة، فوكالة رويترز ليست وحدها من يفعل ذلك، ويمكننا بالمتابعة أن نضم إليها وكالات غربية أخرى وكيانات إعلامية كبرى كنا نقدرها، مثل بى بى سى وواشنطن بوست ونيويورك تايمز، حيث الافتتاحيات الموجهة والتقارير المصطنعة والصفحات السياسية الإعلانية دون إشارة توضيحية، ولا عزاء لأنصار المهنية والعنقاء والخل الوفى!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة