التاريخ لا يكذب ولا يتجمل أيضًا، والغريب حقًّا أن الله سبحانه وتعالى يُسخر للتاريخ من يحفظه قدر الإمكان من أى عملية تشويه أو تحريف، لذلك تعودت ألا أحكم على الأشياء فى وقتها الآنى، بل أتركها للزمن الكفيل بإصدار الحكم المناسب المنصف عليها.. وإذا عدنا بالتاريخ إلى الوراء، وتحديدًا بمصر، فسنجد أن نهاية كل انظمتها السياسية لم تأت بغتة أو صدفة، بل إنها جاءت نتيجة مؤامرات حيكت بدقة وخبث تبعها شىء من الخيانات الداخلية، وقليل من الحظ، وكثير من غباء النظام ذاته فى التعامل مع معطيات الأمور، مما أدى إلى نهايته، ودعونى أتحدث عن تاريخ عاصرته ورأيته رؤى العين، الشىء الذى يجعلنى أتحدث وكلى ثقة فيما أقدمه للقارئ من معلومة أو وجهة نظر.
الرئيس أنور السادات وصل لذروة الثقة فى النفس حين قاد أعظم نصر فى التاريخ الحديث، وجلس بعده فى مباحثات طويلة مع العدو بكل ندية وقوة ليتفاوض، وقد مات قبل إنهاء آخر مراحل تفاوضه بستة أشهر، حيث تسليم ما تبقى لنا من أرض فى 25 إبريل 1982، وقبل وفاته بقليل كان قد قرر السادات الإفراج عن الجماعات الإسلامية، ظنًّا منه أنهم يستطيعون أن يواجهوا التيار الناصرى والاشتراكى والشيوعى الذين كانوا يهاجمونه بقوة فى أعقاب اتفاقية السلام ويتهمونه بالخيانة العظمى وبيع القضية الفلسطينية والعروبة، وما إلى ذلك من اتهامات وشائعات لا أساس لها من الصحة، وكان هذا القرار بمثابة المسمار فى نعش الرئيس أنور الذى قُتل- بعد فترة وجيزة منه- على أيدى هؤلاء المجرمين الإسلاميين.
الرئيس مبارك وصل إلى ذروة مجده مع بداية الألفية الثالثة، حيث قد استرجع علاقاته بالدول العربية، وأسقط جزءا كبيرا من الدين الخارجى، وقام بالقضاء على الإرهاب، الشىء الذى جعل معدل السياحة والاستثمار بمصر يصل إلى أعلى مستوى، أضف إلى ذلك البنية التحتية والمدن الجديدة ودخول العالم عصر التكنولوجيا، وما إلى ذلك، حتى خرجت على المصريين شائعة التوريث، وكان ذلك مواكبًا لعمل جمال مبارك بالحزب الوطنى وظهوره سياسيا بقوة، نفى مبارك الأب هذه الشائعة أكثر من مرة ونفاها أيضًا مبارك الابن، ولكن لم يسلط الإعلام الضوء على هذا النفى إطلاقًا، بل سلط الضوء على الشائعة!! وقد واكب هذه الشائعة تغيرات إعلامية واسعة بدأت بتغير صفوت الشريف، وزير إعلام مبارك القوى، ومن ثم حدث زلزال قوى فى جميع المؤسسات الصحفية القومية بتغيير رؤساء مجالس إداراتها ورؤساء تحريرها المخضرمين، مع ظهور صحف جديدة، وانفتاح فى عالم الفضائيات ساعد أكثر وأكثر فى نشر الشائعة إياها التى تحولت مع الأيام إلى حقيقة فى أذهان المصريين غير قابلة للنقاش لتكون هى المسمار فى نعش نظام مبارك الذى رحل فى أعقاب 25 يناير 2011.
الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى سخره الله سبحانه وتعالى لينقذ مصر من جماعة إرهابية تمكنت من الوصول إلى الحكم فى غفلة من الزمان، أيضًا تمكن الرئيس السيسى من إجهاض أكبر مخطط فى الشرق الأوسط للإطاحة بكل أنظمته وتدمير جيوشه وتقسيمه وبيع أراضيه والاستيلاء على خيراته.. بالتأكيد هذا لم يلق استحسانا لدى الغرب وفى مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، حتى وإن أبدت عكس ذلك، وبالتالى بدأت المؤامرات تعود من جديد، وكما اتفقنا أن المؤامرات تحتاج دائما إلى عناصر داخلية ترتدى ثوب المعارضة تارة، وثوب الثورية تارة أخرى، من أجل تهييج الرأى العام وتقليب طوائف الشعب على النظام بعد اصطياد الأخطاء له وتكبيرها وتهويل الأمر حتى يصبح المناخ جيدًا لإطلاق الشائعات والأكاذيب، وبالطبع يساعد فى هذه العملية الدنيئة الإعلام بشكل أساسى، وفى النهاية تترسخ فكرة ما فى العقل الجمعى وتصبح حقيقة غير قابلة للنقاش أو المجادلة، مثلما الحال فى المثالين السابقين مع الرئيسين السادات ومبارك.
الرئيس السيسى يواجه أكبر خطر منذ توليه الحكم يكمن فى تسليمه جزيرتى تيران وصنافير إلى السعودية، وذلك لأن المتربصين رأوا أنها فرصة ذهبية للانقضاض على الرجل وإطلاق شائعات حول بيعه للأرض، وما إلى ذلك من أكاذيب يستغلون فيها شبكات التواصل الاجتماعى وكل الأسلحة الإعلامية من برامج توك شو ومقالات بالصحف بل أخبار بالصحف القومية وتليفزيون الدولة!
أفيقوا واعلموا أن الإعلام لا يواجه إلا بإعلام أقوى منه، والخيانة لا تقابل الا بفضحها ومعاقبة مرتكبها، والطبطبة والتطييب مع اللئيم لن تأتى بأى نتيجة طيبة على الإطلاق، احذروهم حتى لا تكون الجزيرتان مسمارًا فى نعش النظام.. انتهى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة