تكلموا عن التنوع ولا تعملوا به
تذهب الأحداث وتجىء وتبقى نفس الأسئلة، ونفس حالات اليقين، وتجاهل لغياب السياسة وسط أكبر حالة «كلام».. من السهل جدا أن تتوقع موقف كل طرف بعد وقبل 25 إبريل نحن أمام «تنميط» كل فريق يزعم أن لديه التصور النهائى والتحليل العميق. كل فريق يجلس مع نفسه ويقول كلاما يعجب بعضه ونفسه ويستبعد الآخرين و«يلقح» عليهم أو يغمز ويلمز، ونصر على أن وصول الجدل والخلاف إلى الشتائم يلغى أى حديث عن تعدد أو تفهم. ويمكن القول بدرجة ما أن الجدل الافتراضى لا يعكس الواقع وهناك بعيدا عن هؤلاء عالم آخر مختلف ومشغول بتفاصيل أكثر تعقيدا من «تلقيح» غير سياسى.
لم يختلف الأمر بعد 25 إبريل عما كان بعد 15 إبريل كل طرف يرى نفسه منتصرا ورائعا وعارفا، وأنه هو الذى هزم الفريق الآخر، المتظاهرون وراءهم تحليلات تقول إنهم أصابوا النظام بالرعب، وفازوا على الأمن الذى منع التظاهر من المنبع. فيما يرى الآخر أن الأمن نجح والمتظاهرين انهزموا. ووسط هذا حالة التلسين و«التلقيح» المتبادل التى تستعمل كل ما يمكن من ألفاظ وتعبيرات وسخريات.
لاحظ أنك تتحدث عن مواطنين فى بلد واحد، ونفس الناس تقريبا وربما كلاهم من نفس العائلة، وأصبح كل منهم يتعامل مع الآخر على أنه عدو وليس خصما أو منافسا. كلا الفريقين يخوض جدلا على صفحات التواصل وينتصر وينهزم افتراضيا. كلاهما يتحدث عن الشعب وهو يقصد شعبا آخر ويشتم شعبا ثالثا.
هذه الثنائيات نهايتها الشتائم، وتعبر عن أزمة غياب السياسة، الكلام فى السياسة كثير والفعل قليل. ولا يريد البعض أن يعترف أنه يرضى ذاته افتراضيا، وأنه يتوجه لجمهور يعرفه ويستبعد الآخرين من دون أن يكون ممسكا بشىء فى يده. فقط نحن إما حالة تلسين و«تلقيح» سياسى لا تفضى لأكثر من انتصار زائف ينتهى لإحباط أو لدائرة مفرغة، هناك فرق بين التلسين والتغيير. ومن يتحدث عن إصلاح وتدرج وجهد أكثر من مجرد «إفيهات» سيقابله من يحدثه عن مصادرة السياسة وإغلاق الطرقات، فيرد عليه بأن هناك كسلا.
هى دائرة أساسها موت السياسة، والاكتفاء بقناعات ترضى الغرور والمتفقين. مع أن السياسة والنضال أساسها إقناع المختلفين. وليس البقاء فى دائرة مغلقة على المتفقين. الكل يتحدث عن التعدد والتنوع ولا يعمل به. وليبقى كل فى «بوستاته ولايكاته»