قال تعالى: "هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورا "استفهام للإثبات، يريد، نعم أتى على الإنسان حين من الدهر ولم يكن شيئًا مذكورًا.
متى سمى الإنسان إنسانا؟ هل جاء فى كتابنا الكريم أن الإنسان أول المخلوقات وأقدمها؟
هل تطور الإنسان؟ وما عساه يكون التطور؟ أيكون التغيير دائماً للأحسن أم قد يكون للأسوأ؟ وهل توقف أو سيتوقف التطور فى الخلق والخلقة؟
كيف؛ بزعمكم؛ ينفى كتاب الله تطور الإنسان!
هل ينفى التطور فكرة الإرادة الإلهية؟ دعونا نتفق أولا أن فكرة التطور لا تتعارض وفكرة الإرادة الإلهية يقول تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين"، نقف هنا لنتذكر قوله تعالى: "ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين" ألا تستلفت النظر كلمة "سلالة" فى الآيتين، فكل واحدة غير الأخرى، "سلالة" أتى منها الإنسان و"سلالة" جُعِل منها نسله، ولنتذكر قوله تعالى "إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون"، التراب والطين والصلصال كلها ترمز إلى الأرض عبارات مجازية كناية عما بالأرض من عناصر أولية عناصر الحياة المكون الأول للجسم والتى مصدرها التربة (كربون ونيتروجين وهيدروجين وأكسيجين) خلق منها عيسى عليه السلام كما خلق منها آدم، فكما لهذا مدلول كبداية لخلق عيسى عليه السلام له مدلول فى بداية خلق آدم عليه السلام.
وبصرف النظر عن خطأ افتراض داروين إلا أننا نشكره أنه لفت النظر لفكرة التطور والانتخاب الطبيعى وأن البقاء للأصلح وعلميًا وطبيًا كل هذا صحيحٌ فالأجنة والمواليد ذوى العيوب الخلقية التى تستحيل معها الحياة ( incompatible with life ) إما يُجهضون أو يموتون فور ولادتهم وإن لم يحدث لا يبقون طويلاً على قيد الحياة وإن بقوا عادة لا ينجبون وهذا مثال بسيط للانتخاب الطبيعى ولفكرة إن البقاء للأصلح، وكطبيبة أستطيع أيضًا استيعاب فكرة التطور، وأستطيع فهم استمرار التطور وأن قد يكون التطور بأن تَجِد صفات وأن تورث وتستمر قال تعالى "يزيد فى الخلق كيف يشاء"، فما زالت الميكروبات فى تطور كنوع من المقاومة للجهاز المناعى لجسم الإنسان وكذلك للأدوية المضادة لها وإلا لانتهى المرض وما زالت الطفرات الجينية تتسبب فى استحداث أمراض خلقية جديدة تنتقل عن طريق الجينات الوراثية من جيل إلى جيل كأصل كل الأمراض الوراثية، فليس شرطاً مثلاً أن يرث مريض الهيموفيليا چين المرض من أمه فقد يمرض بها نتيجة طفرة چينية أثناء تكوينه الجنينى ثم يورثها هو بدوره لبناته وقد تنتج صفات شكلية خارجية مختلفة عن الأهل مثل لون شعر ولون بشرة ولون عينين من نسميهم بعبادى الشمس الذين يفتقرون لصبغة الميلانين من زوجين ذوى بشرة سمراء، وتبقى هذه الطفرات تورث وتستمر عبر أجيال فتتجدد صفات وتربو وتتبدل صفات وتندثر ويتبدل الشكل والهيئة والخلقة والطبيعة؛ سواء أكانت طفرات محمودة أو غير محمودة؛ ولأنها طفرات قادرة على مقاومة البيئة يبقى حاملوها فى حين يندثر حاملو الصفات الأقل مقاومة للبيئة بنفس الفكرة التى استمر بها حاملو جين الأنيميا ذات الخلايا المنجلية "السيكل" فى أماكن انتشار الملاريا الخبيثة فى أفريقيا بما يعرف بـ"الانتقائية" وتناقص فيها الأصحاء لأن دماءهم أقل مقاومة للملاريا فتتسبب فى وفاتهم، أستطيع أن أفهم اكتساب سكان المناطق الحارة المشمسة لوناً داكنا لزيادة صبغة الميلانين التى تحمى الجلد من أشعة الشمس الضارة ولأن هؤلاء الأقدر على تحمل أضرار الشمس هم السلالة التى استمرت فى هذه المناطق وافتقار بشرة سكان المناطق الجليدية لهذه الصبغة، أستطيع أن أتصور تزاوج المخلوقات المختلفة وإنتاج سلالات جديدة مثل البغل الذى ينتج من تزاوج الحمار والحصان أستطيع أن أتخيل استمرار سلالة الإنسان الأجمل خِلقة لإقبال الزوج على الزواج من المرأة الجميلة ولإقبال المرأة على الزواج من الرجل الأجمل وبذلك بمرور الزمن ينقرض حاملو الصفات الشكلية الأكثر قبحًا أو الأقل جمالاً وقبولاً وبذلك أنقرضت سلالة بأكملها لعدم تقبلها فكرة التزاوج والاختلاط بسلالات أخرى عندما قلت أعدادهم مثل الديناصور أستطيع أن أتصور كل هذا وغيره مما يتصل بالتهجين وبالجينات فكلها حقائق علمية لا يمكن إنكارها ولا يمكن أن أنكر المخلوق وحيد الخلية أيًا كانت صفته أو أيًا كان الاسم الذى نطلقه عليه، ولا أحد يستطيع أن يجزم كيف بدأ وحيد الخلية غير أنه كان من العناصر الأولية للطبيعة، كيف استمر وتكاثر وأى نوع من التكاثر بالتزاوج أم بالانقسام؟ هل سار تطور الذكر والأنثى على التوازى؟ ومتى بدأ التزاوج؟ على أية حال، البداية بخلية واحدة حية حقيقة ما زالت تتكرر فى كل يوم وكل ساعة فبداية الجنين هو التقاء نصف خلية من الرجل ونصف خلية من المرأة نعم نصفا خلية يحمل كل نصف نصف الكروموسومات ونصف الصفات ويتحدان فيكونا خلية واحدة كاملة "الزيجوت" وتلك تكون بداية كل إنسان وقطعا بداية الخلق من العدم لا يمكن أن تكون بالتقاء شخصين ولم يختلف فى ذلك الكتاب ولا فى أن الخلق الثانى لابد تخلق من الخلق الأول وهذا إقرار آخر بالتطور قال تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها" صدق الله العظيم.
ولما كانت اسمى عطية للإنسان هى العقل ولما كان هو ما ميزه عن سائر المخلوقات ولما كان هو الأمانة التى رفضها من كان أكبر منه وأعظم "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولاً" وقبل أن استطرد لى هنا وقفة ففى كل مرة أصل لهذه الآية من الكتاب يتبادر إلى ذهنى أن الإنسان قد وجد قبل التكليف وجد وجود الأرض والسماوات والجبال على نفس حالهم؛ أقصد من عدم التكليف؛ قبل أن تتغير حاله، وكذا حال الملائكة فهى مخلوقة مأمورة مطيعة غير مكلفة يسبق خلقها وخلق الأشياء خلق آدم وتكليفه فقد سأل الله الملائكة قبل آدم أسماء الأشياء فلم يعرفوا لذلك جوابا "فقال انبئونى بأسماء هؤلاء قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا" ولم يكن آدم يعلم حين خلق ولم يكن مكلفًا حتى كلف، وتطورت حاله حين أراد الله له ذلك فعلمه" و"علم آدم الأسماء كلها" وذلك بعد أن خير الله الإنسان فاختار وحمل الأمانة، وقد كشف العلم الحديث عن أن سلالات عمرت واندثرت قبل بدء التأريخ وإن تغيرًا ما طرأ، ربما طفرة چينية فنطق الإنسان ولكن هل هذا الأول يسمى إنسانٌ؟ أم سمى إنسانٌ فقط بعد أن تعلم ونطق بعد حوالى خمسين أو مئة وخمسين ألف سنة من عمر الأرض الذى تجاوز ٤،٥٤ مليار سنة؛ الذى عرف عن طريق قياس النظائر المشعة والتى تعتبر الساعة الچيولوچية للكون ولأنه؛ أقصد الإنسان؛ لم يكن يعرف الكلام فأهمله التاريخ، تغير تاريخه فقط حين بدأ الكلام وكلها كشوفات علمية لا يمكن إنكارها، من وجهة نظرى تتسق مع ما سبق وذكرت من كلمات الكتاب وكذلك مع قوله تعالى: "هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورًا" واختَلِف ما شئت فى الفترة التى سبقت ذكر الإنسان ؛ ذكرا وأنثى ؛ أو تكليفه ما يعنينا هو ان التكليف لم يكن منذ بداية الخلق كما قال العلم، فالزمن ليس مطلقًا هو نسبى نسبية كل شىء كما أثبت العلم الحديث وقد أشار القرآن لهذا فى أكثر من موضع فى يوم كان مقداره ألف سنة ما تعدون" وقوله "يوم مقداره خمسين ألف سنة" وهذه حقيقة فاليوم شىء تقديرى يختلف طوله من مكان لمكان والزمن كله اعتبار افتراضى. ولما كان الذكر والأنثى قريبى الشبه بعضهما من بعض فلابد أن كان بعضهم من بعض "خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها" وكأن ما وضع بينهما من اختلاف كان تكاملاً مقصودًا وإن يجعل بينهما ميلا فطريًا وعاطفة وتحاب ليس له تفسير إلا أن ليست الحياة مجرد غلطة ولا أن حفلت طبيعة الخلق الفيزيقية والكيميائية بتخليق هذه المشاعر بينهما حفاظًا على النوع إلى الحد الذى يجعل أحدهما من فرط العاطفة يفقد حياته فى سبيل الآخر أو حزنًا على فقده عن طريق الصدفة، ولما كان أقدم هيكل عظمى لشكل إنسان وجد فى إثيوبيا ويقدر عمرة بنيفٍ و٤ ملايين سنة؛ وجدير بالذكر أن عمر الحفرية يحدد بمنتهى الدقة تمامًا مثلما يحدد عمر الأرض والكون بما يسمى بالتأريخ الراديوميترى عن طريق قياس النظائر المشعة ففى الإنسان والكائنات الحية يتم بقياس نسبة المتبقى من الكربون ١٤ المشع الذى يضمحل بمرور الوقت تدريجيًا بعد الوفاة إلى نسبة الكربون ١٢ فى العظام الثابت الذى لا يتأثر بمرور الزمن؛ ونجد فى اكتشاف أقدم إنسان فى أفريقيا اتفاق ورواية الكتاب المقدس فى وصف آدم من حيث لون بشرته السوداء.
وصل الإنسان لكل هذه الكشوفات وتحليلها بالعقل الذى ميزه عن سائر المخلوقات بالعلم والبحث والمعرفة التى أمرنا بها الله تعالى أمرًا "فلينظر الإنسان ممَ خلق" ويأتى كل الكتاب مخاطبًا العقل المكلف لا يحيد عن المنطق والعلم حاثا عليهما آمرا بهما غير متعارض معهما أو معارض لهما وقد وزنت كل كلماته بمنتهى الدقة والحرص حتى يبقى والعلم متوازيين لا قطيعة بينهما أبدًا، ولو ادعوا غير ذلك فذلك مبلغهم من العلم أو إنها إضافات من عنديات البشر واجتهادات ما انزل الله بها من سلطان، الحقيقة أنا لم أجد الكتاب يحاجى علماً بل أحبه وحببه فأى مصلحة تُجْنَى من ادعاء عكس ذلك ولماذا التفانى فى إيجاد خلاف بالزج بتفاسير وتاويل وقصص لا اثر لها فى النص القرآنى وكلها فى اغلب الظن اسرائيليات مصدرها كتب العقيدة اليهودية التى اصطدمت مع العلم فى كثير من المواضع كأن افترضت ان عمر الأرض من الأساس لم يتجاوز الست آلاف سنة ومن قبل ان الأرض مسطحة لها زوايا وأركان! ما لنا نحن بذلك؟
قطعًا أنا لا أقصد ببحثى هذا أن ندرس التطور من النص القرآنى على أساس أنه كتاب علمى فالعلم بحر واسع ليس مجاله الكتب الدينية ولهذا تعمدت الإشارة إلى بعض الحقائق العلمية والطبية المبسطة فقط كمثال لاستعراض مقدار التعقيد فى الحقائق العلمية بما لا تتسع الكتب المقدسة، ولكن قصدت ألا ننسب للكتاب صراعًا مفتعلاً مع العلم داعين لمخاصمة العلم فى النهاية، هى دعوة للتوقف عن البحث غير مستجابة فلن يتوقف الإنسان عن النظر مم خلق ولن يتوقف الإنسان عن البحث فى خلق السماوات والأرض ولن ينتهى بمخاصمة العلم أو مقاطعته واى دعوة لمناصبة العلم العداء باسم الدين إنما هى دعوة غير مباشرة لمناصبة الدين العداء فكفوا عن التأويل ودعوا العلم للعلماء ولا تحملوا الدين أوزاركم وأوزار من سبقكم ولا تحملوا النص الدينى ما لا يحتمل
"كلما أوقدوا ناراً للحرب اطفأها الله"
يبقى أجمل ما فى الحياة العلم والمعرفة وهل للإنسان قيمة أعظم من العقل ! مستحيل أن نهمل كل هذا ونضرب به عرض الحائط ونعيش فى عصر اللا علم.
• أستاذ بطب قصر العينى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة