فتح المزاد وجميع القيم أصبحت سلعا
بعد صدور تقرير مكتب وزارة الخارجية البريطانية الذى ينتقد سجل حقوق الإنسان فى روسيا هاجمت موسكو متمثلة فى ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم الخارجية الروسية هذا الأمر، مؤكدة أن هذا التقرير تدخل فى شؤون موسكو الداخلية وبعيد عن الواقع وليس موضوعيا، وامتدت لغة الهجوم إلى محاولة إلقاء الاتهامات على بريطانيا، حيث قالت «زاخاروفا»: «على لندن التعامل مع مشاكلها الخاصة مثل جرائم الحرب المزعومة التى ارتكبها جنود بريطانيون فى العراق، وكأن موسكو تعاير لندن قائلة: اللى بيته من إزاز ميحدفش الناس بالطوب».
هذا مثال على كيفية التعامل «العالمى» مع المشكلات المتعددة، بريطانيا تستخدم ملف حقوق الإنسان فى الضغط على روسيا، وروسيا ترد على مزاعمها بمطالبتها بمراعاة حقوق الإنسان أيضا، وبينما حقوق الإنسان الحقيقية تائهة فى سياق من المزايدة السياسية، فحقوق الإنسان بالنسبة لهم ليست أكثر من وسيلة للضغط والتشهير، فى حالة «عالمية» من «الاتجار» بقضايا البشر وحقوقهم وآلامهم، وهو للأسف ما جعل المواطن البسيط ينظر إلى «حقوق الإنسان» وكأنها شر كامل، تماما كما أصبح قطاع كبير من المصريين ينظرون إلى «الإسلاميين» باعتبارهم شرا كاملا، وتماما كما أصبح قطاع كبير من المصريين ينظرون إلى «الوطنجيون» الذين يطنطنون بالوطن ويزايدون على الجميع بادعائهم المحافظة عليه وكأنهم «شر كامل» وهنا ندرك أن كل القيم السامية من تعاليم إسلامية أو ملفات حقوقية أو قيم وطنية أصبحت سلعة فى مزاد، والكل يزايد بما لديه، والكل يبخس قيمة هذه القيم، ليظل الإنسان عاريا من كل شىء، تائها بين المصالح المتضاربة، بائسا من دون حق أو خير أو وطن.
تلك القيم السامية بريئة من كل هذه المزايدات، فلا يجب أن نتغافل عن حالة الاتجار بالدين أو الوطن أو الحقوق، فالدين حق، والوطن حق والحق حق، والخلاص الوحيد الذى يجب أن نتمسك به هو الدفاع عن هذه القيم السامية وفقا لأجندة وجدانية نابعة من الضمير الإنسانى، ومنزهة عن الغرض والمرض، منزوع عنها الشبهات، لأننا إن تخلينا عن هذه الثوابت الإنسانية ضاعت إنسانيتنا وأصبحنا آلات أو وحوشا، ولو استسلمنا إلى المزايدين بهذه القيم ستضيع الأوطان ويهلك الإنسان، وللأسف فقد شهدنا فى مصر وجودا غير مسبوق للتجار الثلاثة، «الوطنجيون والإسلاميون والحقوقيون» والكل يزايد بما معه، حتى أصبح «المصرى البسيط» يخشى من المتحدثين عن هذه القيم، لخوفه من أن يضع نفسه فى شرك المصيدة.
لابد هنا أن نذكر أنه فى ذات السياق، اتهمت روسيا بريطانيا بأنها تحمى إرهابيين يمولون تنظيم «داعش» الذى يسيطر على مساحات واسعة من الأراضى فى العراق وسوريا، أى أن بريطانيا مسؤولة بشكل «ما» عن العمليات الإرهابية التى يقوم بها داعش، فلماذا إذن تساعد روسيا «داعش وبريطانيا» وتحقق رغباتهم فى تجويع مصر «سياحيا» وتمنع السائحين الروس من المجىء إلى مصر بعد العملية الإرهابية التى وقعت فى سيناء واستهدفت الطائرة الروسية؟