سامح جويدة

السلحفاة والأسد

الجمعة، 29 أبريل 2016 10:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حينما حاصر أحد الأسود المفترسة سلحفاة برية دخلت فى قوقعتها واستسلمت.. فهى لا تستطيع الجرى أو القفز أو الهجوم أو حتى تخويف الأسد.. هى فقط قادرة على الصبر والتحمل وانتظار الفرج.. فتترك نفسها كالحجر مغلفة نفسها بهذه الدرع الغريب الذى يبقيها على قيد الحياة مهما حاصرها الألم.. فمهما تلاعب الأسد بها وقذفها وهبشها ومهما تألمت فسوف تصبر وتتحمل لأنها لن تموت بسهولة..لذلك تحب السلاحف سكن الجحور وتختبئ دائما من قسوة وسخافات الحيوانات الأخرى وتظل فى جحرها ولو بالسنين تأكل أى شيء وترضى بأى شىء.. فمن هو الأقوى فى تلك الدراما الحياتية.. الأسد أم السلحفاة؟.

وقبل أن تجيب تذكر أن الأسد لا يعيش أكثر من 8 أعوام بينما السلحفاة قد تعيش 180 عاما فلو ظلت حبيسة جحرها وظل الأسد ينتظرها فسوف يخسر عمره كله وهى لن تخسر إلا بعض السنوات من مرحلة المراهقة.. وإذا حاصرها فهو يحتاج إلى نصف عمره ليحطم درعها الصدفى الصلب فهل يملك الصبر على ذلك وهل يستطيع ان يقضى نصف عمره بلا فريسة ويستميت لتحطيم هذا الحجر المسحور... اشك... فهو لن يمتلك صبرها ولا قدرتها على تحمل الجوع ومرور العمر ومحاصرة الألم هى أقوى منه منذ البداية رغم كل مظاهر الضعف التى تبدوا عليها ومعالم القوة التى تبدوا عليه... فالصبر والتحمل والقدرة على البقاء هم فى الحقيقة قوى خفية لا نراها وقد لا نعترف بها رغم انها ميزان الحياة أمام البطش والقوة والقدرة على الإيذاء.. وبتلك المعادلة فقط صار الأسد أضعف بكثير من السلحفاة.

تلك القصة الغريبة التى قصصتها عليكم هى السبب الوحيد لافتخارى بأننى مصرى وهى التعويض النفسى والمعنوى الوحيد الذى أخرجنى من اكتئاب كتب التاريخ وحضارة 7000 سنة من القهر والعبودية والاستعمار والذل.. كانت كلمات المؤرخين تقتلنى وتسحقنى وهم يحكون عن ألاف الحكام والبلاد والملل التى دخلت تلك البلد لتفسد فيها وتبدع فى إيذاء أجدادنا.. فكيف نكون اقدم حضارة على وجه الأرض ويكون تاريخنا بهذا البؤس وبهذا الألم.. حتى مراحل التنوير والنهضة كانت على حساب هذا الشعب وتضحياته فكنا السلة الغذائية للدولة الرومانية بعرق ومذلة الفلاحين المصريين وامتلكنا أكبر ممرات وقنوات العالم المائية فى الزراعة أو فى الملاحة البحرية على جثث الملايين من أبناء تلك الأرض وسكانها الأصليين.

هذا الصبر التاريخى الطويل وتلك القدرة العجيبة على التحمل والتقوقع والرضا بأى شىء والتى استمرت كاللغز حتى بعد تمتعنا بالحكم الذاتى بعد ثورة 23 يوليو.. كأن حكامنا جميعا يدركون هذا الصبر وهذا الرضا ويعرفون جيدا كيف يستغلونه.. تلك الملامح الواضحة كانت تحطمنى كلما تلمست كتب التاريخ.. فكيف نبحث عن القوة وجذورنا بهذا الضعف.. كيف نبحث عن المستقبل ونحن نخجل من الماضى ولكن ما كنت أظنه ضعفا كان منتهى القوة.. ولكنها قوة بلا لون ولا ضجيج ولا معالم.. لا نراها ولا نشعر بها رغم انها موجودة بكل فرد فينا.. هى كلون البشرة الذى أخذته عن أبيك أو نظرة عينك التى أخذتها من أمك هى شفرتك الوراثية أحببتها أو كرهتها هذا حقك.. أنا شخصيا ناقم عليها.. ولكن تذكر أن تلك الشفرة تعيش فيك منذ آلاف السنين بينما عمر الأسود لا يتجاوز 8 سنوات مهما حفلت بمظاهر القوة والسيادة والتفوق إلا أنها أضعف بكثير من الاستمرار الطويل الذى حصلت أنت عليه وبلا حتى مقاومة.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة