على مدار الأيام الماضية، اهتمت صحف العالم أجمع بقضية سجن الروائى الشاب، أحمد ناجى، الذى يمكث فى السجن الآن بتهمة خدش الحياء العام، وهى التهمة العبثية التى لا محل لها فى عمل روائى، يستهدف بالأساس تشريح النفس الإنسانية، فالفنان مثل الطبيب الذى يعرى الجسد الإنسانى، ويفحصه ويجرى عليه تجاربه وأبحاثه، فيظفر بتشخيص جديد أو يبتكر علاجا أكثر فعالية، وكذلك يفعل الفنان فى المجتمع الذى يعريه من أقنعته، ويفتش فى دخائله، فنعرف أمراضنا ونستكشف أعطابنا، ولأن العالم كله يعرف أن للفن خصوصية نادرة لا تتوافر فى غيره، يمنح الفنان مطلق الحرية فى الكشف والتجريب والابتكار، فالحرية أخت التطور وأم الوعى، بينما يقف الكبت باعتباره الراعى الرسمى لكل زيف والمتعهد الأول لكل تخلف.
دعوات التضامن مع الفنان الشاب أتت من كل حدب وصوب، ولا أخفيك سرا أننى فى وسط كل هذه الأجواء المشحونة بالغضب، شعرت بالسعادة الغامرة، حينما سمعت كلمة المثقف اللبنانى الكبير «إلياس خورى»، فى مؤتمر التضامن مع ناجى، الذى عقدته دار التنوير للنشر، حيث قال «خورى»: «أنا فخور بدفاع المصريين عن ناجى، وفخور كذلك بقلب القاهرة النابض المثقف الحى»، فمنذ زمن بعيد لم يسمع الواحد كلمة فخر حقيقية بما يقدمه المصريون، ومنذ زمن بعيد أيضا لم ير هذا التضامن الواسع من المحيط إلى الخليج، نعود لنسأل لماذا اهتم العالم بهذه القضية بالتحديد؟ ولماذا أبرزتها كبريات صحف العالم، باعتبارها «كارثة» يجب أن توقف، والإجابة بسيطة جدا، هى أن الفن المصرى على اختلاف حقوله ما زال قادرا على مخاطبة العالم بنفس الكفاءة التى يخاطبنا العالم بها، ففنانى مصر يتكلمون لغة عالمية، يفهمها القاصى والدانى، والإبداع المصرى ما زال قادرا على جذب انتباه العالم، برغم ما يمر به من إحباطات وترهل، ومن لا يصدقنى، فليتابع روايات وقصصا وأشعار الفنانين المصريين فى المكتبات العالمية، ليرى أعمال نجيب محفوظ، وصنع الله إبراهيم، وإبراهيم أصلان، وصلاح عبدالصبور، وهى تقف فى شموخ بجوار أعمال ماركيز وهيمنجواى وإليوت وإزرا باوند، تماما مثلما تقف تماثيل محمود مختار، وآدم حنين، وعبدالهادى الوشاحى، ولوحات محمود سعيد، وعبدالهادى الجزار، وأحمد مصطفى، وعادل السيوى بجوار تماثيل هنرى مور، ولوحات بيكاسو وسلفادور دالى، فتلك قوة مصر الحقيقية، القوة الناعمة التى ما زالت قادرة على مخاطبة العالم بلغة يفهمها، وطريقة يشعر بها، لذلك فقد انزعجت قبيلة فنانى العالم، لأن أحد أهم أفرعها فى خطر، فلماذا نبدد مظاهر قوتنا، ولماذا نسهم فى تشويه سمعتنا؟
نشر هذا المقال فى 28 فبراير الماضى، تحت عنوان «لماذا انزعج العالم من حبس ناجى»، وأعيد نشره اليوم بعد تأييد الحكم على الشاعرة فاطمة ناعوت بالسجن ثلاث سنوات، وبذلك تكون ثالث المثقفين المحكومين بالسجن حكما نهائيا بعد أحمد ناجى وإسلام بحيرى، بالشكل الذى يشير إلى أن إدارة السجون ستخصص عنبرا فى المستقبل للأدباء والمثقفين.