متى يرضى الغرب عن مصر؟.. قبل أيام قال السفير الهولندى بالقاهرة «خيرارد ستيخس» الذى تتولى بلاده رئاسة الاتحاد الأوروبى حالياً، إن خارطة الطريق المصرية التى تم الإعلان عنها بالقاهرة فى الثالث من يوليو 2013، تنتظرها «خطوات أخرى قليلة لم تتحقق بعد مثل المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية»، وقبلها نقل أشخاص عن ستيخس أنه تحدث عن فكرة المصالحة الوطنية بمعنى إدماج الإخوان وبقية القوى السياسية فى الحياة السياسية المصرية.
بعيدا عن نظرية المؤامرة التى لا تروق لكثيرين فهذه هى مطالب الغرب منا بشكل واضح ومحدد، لا يعتبرون خارطة الطريق «وضع دستور جديد وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية» كاملة إلا بهذه المصالحة، وهو ما يفسر اللقاءات المستمرة من جانب الدبلوماسيين الغربيين والأمريكيين لأعضاء جماعة الإخوان «المصنفة فى مصر بأنها إرهابية»، وكذلك الزيارات المستمرة من جانب قيادات إخوانية لوزارة الخارجية الأمريكية، فى وقت يتحدث الأمريكيون عن تقدم فى علاقتهم بمصر، لكن هذا التقدم يبدو أنه مرهون بمصير الإخوان.
إعادة إدماج الإخوان وعودتهم للسياسة فى مصر، هو المطلب الغربى الوحيد من مصر حالياً، وإذا لم تلب القيادة المصرية هذا الطلب فإن المضايقات على القاهرة ستستمر، سواءً اقتصادياً أو سياسياً، فالإخوان كانوا ومازالوا جزءًا من الخطة الغربية للشرق الأوسط التى تنظر للجماعة على أنها ممثل للإسلام المعتدل، وهو ما يفسر رفض هذه الدول كل المطالبات المصرية باعتبار الإخوان جماعة إرهابية، وكذلك رفض تسليم قيادات الجماعة المتهمين فى قضايا إرهابية وجنائية فى مصر، وبالتالى فإن العواصم الغربية لن تغير نظرتها لمصر إذا لم يتحقق مطلبها، غير مدركين فى الوقت ذاته أن الأمر لم يعد فى يد القيادة السياسية، بقدر ارتباطه برفض شعبى عارم من مجرد رؤية شخصية إخوانية، وليس عودتهم سياسياً، فالإخوان أصبحوا مرفوضين شعبياً، ولن يقبل المصريون أية محاولة لعودتهم مرة أخرى، خاصة بعد الإرهاب الذى مارسوه ضد المصريين بعد ثورة 30 يونيو 2013، التى أثرت على معنويات المصريين، فضلاً عن ضرب الاقتصاد المصر بعدما استهدفت التنظيمات الإرهابية المرتبطة بالإخوان بالسياحة والمصالح الاقتصادية الغربية، فى محاولة واضحة ومفضوحة لقطع علاقة مصر بالعالم الخارجى.
متى يعتبر الغرب أن رفض الإخوان ليس فى يد السياسيين بقدر ارتباطه بالشعب؟ وهل نحتاج لتنظيم استفتاء شعبى على هذا الأمر حتى يرضى الغرب ويدركوا أن الأمر أكبر من مطلبهم، لكن المهم أيضاً فى هذه الحالة، إذا جاءت نتيجة هذا الاستفتاء عكس المطلوب غربيا فماذا سنفعل وقتها، وهل سيتقبل الأوروبيون والولايات المتحدة هذه النتيجة أم سيعتبرونها مزورة، لأنها لم تأت بما يريدونه.
مشكلة الغرب مع مصر هى فقدان الثقة بين الطرفين، بالإضافة إلى نظر الدول الأوروبية والولايات المتحدة لمصر من منظورهم الخاص الذى لا يأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات المصرية ولا رغبات الشعب المصرى، فالأمر لديهم هو العمل على مبدأ جورج بوش الابن «من ليس معنا فهو ضدنا»، فمصر حليف استراتيجى لكن هذا الحليف مطلوب منه تنفيذ ما يطلب منه بدون مناقشة، لأن الغرب يعرفون أكثر منا.. هذه هى المشكلة الحقيقية، أنهم مازالوا ينظرون لنا باعتبارنا شعبا «متخلفا» لا يحق له أن يكون القرار بيده، وإنما بيد العواصم الغربية نوع جديد من الاحتلال السياسى والثقافى والاجتماعى أيضاً.
بالتأكيد هناك دول تتفهم الطبيعة المصرية، مثل فرنسا، لكنها لا تبذل الجهد المطلوب منها لشرح هذا لبقية الدول الأوروبية، ربما لأسباب خاصة بفرنسا أو بالأوروبيين أنفسهم، لكن فى نهاية الأمر نحن أمام حالة غريبة لا يمكن تفسيرها إلا بطريقة واحدة، وهى أن المعايير المزدوجة مازالت تحكم العلاقات الدولية، خاصة إذا أجرينا مقارنة بين تعامل الغرب مع مصر وتركيا، فرغم ما تشهده أنقرة من هجمات بوليسية على المعارضة ومنظمات المجتمع المدنى، والتنكيل المستمر والممنهج من جانب حكومة رجب طيب أردوغان ضد الأكراد، إلا أن أوروبا لا ترى ما يحدث فى تركيا، لأن لها مصالح مع حكومة أردوغان جعلت الغرب كله يتغاضى عما يفعله، لكن مع مصر الوضع مختلف، فالمصريون خرجوا عن الخط المرسوم لهم، وبالتالى فإن العقاب هو مصيرهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة