فى شبابه المبكر أغفل الأديب الروسى حياته العاطفية
أن تعرف أسرار العالم الخاص بالمبدعين فهذا يعنى أنك أمسكت بأحد الأدوات التى تقودك إلى فهم إبداعهم، وإذا كانت هذه الأسرار تتعلق بدور المرأة، فهذا يعنى أنك أمسكت بأهم هذه الأدوات، وقبل أيام قدم لنا قطاع الثقافة بـ«أخبار اليوم» برئاسة المبدع عزت القمحاوى كتابا من هذا النوع فى سلسلة «الروائع» وهو «نساء فى حياة دستوفسكى» تأليف «ليونيد جروسمان»، ترجمة الدكتور أنور إبراهيم.
ولأن الأسرار التى يقدمها الكتاب تتعلق بالأديب الروسى دستوفسكى أحد أعظم الروائيين على مر العصور، سنكون متشوقين بالطبع إلى معرفة أسراره الشخصية التى لعبت دورها فى تأليفه لرواياته الخالدة وأبرزها «الإخوة كارامازوف» و«الجريمة والعقاب» و«الأبله».
فى وصفه لواحد من أبطال رواياته يقول دستوفسكى: «رغم ما كان يتمتع به من ذكاء، لم يكن يدرك من أمور النساء شيئا، ومن ثم فإن دائرة كاملة من الأفكار والظواهر ظلت مجهولة بالنسبة له»، ويقول عنه أحد رفاقه فى سنوات الشباب: «لم أسمع مطلقا منه أنه كان مغرما بواحدة ما، أو حتى أنه أعجب بشدة بامرأة بعينها، بعد عودته إلى بطرسبورج قادما من المنفى فى سيبيريا أصبحت دراسة وتحليل شخصية أى من معارفنا من النساء والفتيات واحدة من هواياته المحببة».
فى شبابه المبكر أغفل دستوفسكى تماما حياته العاطفية، وكان غارقا فى كتاباته الإبداعية، وصرفه السعى وراء الظهور الأدبى بقوة أكبر عن الانفعالات الرومانسية، وتعبر زوجته الثانية «أنا جريجوريفنا» عن دهشتها من أنه لم يقع فى هوى امرأة على نحو جاد فى شبابه، ويرجع السبب فى ذلك إلى أنه بدأ فى سن مبكرة للغاية الانخراط فى حياة عقلية محضة، حيث ابتلعه الإبداع كلية وتراجعت حياته الخاصة إلى خلفية المشهد، ليندمج بعد ذلك بكل خياله فى السياسة، وهو ما دفع بسببه ثمنا باهظا، أحب وللمرة الأولى «ماريا» وكانت مريضة، منهكة القوى، فقيرة معدمة، كتب عليها الجنون والموت، ولما ماتت فى 16 إبريل 1864 كتب: أحبتنى بلا حدود، وأنا أحببتها أيضا بلا حدود، ولكننى لم أكن سعيدا معها، وعلى الرغم من أننا كنا تعساء معا بشكل مطلق، بسبب شكوكها وطبعها المرضى العجيب، فإننا لم نستطع أن نتوقف عن حب كل منا للآخر، بل كلما ازداد بؤسنا، ازداد تعلقنا كل بالآخر»، ويدفعه موتها إلى كتابة تأملات فى دفتر مذكراته حول الحب والزواج: «أن تحب إنسانا قدر حبك لنفسك، وفقا لوصايا المسيح أمر مستحيل، إن السعادة العظمى هى فى أن يهب الإنسان نفسه كاملة لجميع الناس ولكل شخص وبكل تفان»، كانت المرأة الثانية التى ارتبط بها دستوفسكى هى «أنا فاسيليفنا»، ويحكى عنها بعد انفصالهما: «واحدة من أفضل النساء اللاتى قابلتهن فى حياتى، كانت شديدة الذكاء، ناضجة، تمتلك ثقافة أدبية واسعة، وكان لديها قلب طيب ورائع، كانت فتاة تمتلك خصالا خلقية رفيعة، على أن أفكارنا كانت على طرفى نقيض، وكان من المستحيل أن تتراجع عن أفكارها بل كانت متمسكة بها بشدة، ولهذا كان من الأرجح ألا ينجح زواجنا، أحللتها من وعدها، وتمنيت لها مخلصا أن تقابل الرجل الذى يشاركها أفكارها وأن تجد سعادتها معه».
فى مطلع الستينيات من القرن التاسع عشر عاش دستوفسكى واحدة من أقوى قصص حبه مع «سوسلوفا» التى كشفت له الطبائع الغائرة للفتيات المتكبرات أو النساء الجهنميات، وأخيرا تأتى قصته مع «أنا جريجوريفنا»، وهى المرأة التى كانت على استعداد أن تضع مصيرها كله، وتذيب شخصيتها كاملة دون نقصان فى وسط أفكاره وطموحاته ومصالحه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة