حتى الآن ليست هناك تقديرات محددة لحجم هذه الأموال
أموال مبارك وزوجته وعائلته ورجال نظامه تعود للظهور بقوة مرة أخرى، والحديث عن كيفية استرجاعها لا حديث يعلوه فى الشارع المصرى، “عاوزين فلوسنا احنا فى أزمة”.. هكذا قال لى سائق التاكسى صباح أمس، بعد ما سمعه عن فضيحة “وثائق بنما”، التى تسربت عبر وسائل الإعلام الغربية والموقع الإلكترونى الذى حمل ذات الاسم، وكشف فى أضخم تحقيق استقصائى، شاركت فيه كبريات الصحف والمؤسسات الإعلامية فى العالم، عن تورط رؤساء دول حاليين وسابقين وشخصيات سياسية واقتصادية ورياضية فى عمليات مالية مشبوهة، وعلى رأس هؤلاء، الرئيس الأسبق حسنى مبارك وزوجته وعدد من أركان نظامه السياسى وابنه علاء، وهى الوثائق المسربة من شركة “موساك فونسيكا” للخدمات القانونية ومقرها بنما.
بمجرد الإعلان عن الوثائق القنبلة، التى تهز العالم الآن برؤسائه وحكامه وملوكه وأمرائه، تدفق الملايين من الناس حول العالم على الموقع الإلكترونى، للاطلاع على حوالى 11 مليون وثيقة لعمليات تهريب أموال لملاذات ضريبية آمنة، وفى عمليات غسيل أموال وإخفاء ثروات. وعادت الأسئلة التى أطلقها الشعب المصرى، عقب تنحى مبارك فى فبراير 2011 “ أين أموال مبارك وعائلته ورجاله المهربة للخارج؟”، وهل تعود هذه الأموال؟ وهل يمكن تصديق ما تردد عن أموال مبارك فى الخارج وتقديرها بـ19 مليار دولار بعد التسريبات الجديدة لوثائق بنما؟
الأسئلة تفرض تحديا جديدا أمام الدولة المصرية، لفتح الملف من جديد، إذا كانت هناك إرادة سياسية لاستعادة هذه الأموال، وهى حقوق وثروات الشعب المصرى، فهل سيتحرك البرلمان وتتحرك الحكومة والدولة المصرية بكل أجهزتها المعنية؟
حتى الآن ليست هناك تقديرات محددة لحجم هذه الأموال، ولكنها بالتأكيد تتجاوز عشرات المليارات، فالوثائق الجديدة ستؤكد الأرقام المتداولة عن حجم عمليات تهريب الأموال التى تمت فى عهد مبارك منذ 1992 وحتى 2011 والمقدرة بأكثر من 200 مليار دولار، والتى لم تستطع الحكومات المتعاقبة بعد ثورة يناير 2011 أن تنجز أى شىء فى هذا الملف، رغم اللجان التى تشكلت رسميا و شعبيا.
الفضيحة الجديدة ستهز دولا كثيرة ومنها مصر، وستضغط على أنظمة الحكم لفتح تحقيقات جادة للكشف عن الحقائق، ثم دراسة كيفية التعامل مع القضية بجدية واحترافية لاستعادة أموال الشعب المصرى المنهوبة طوال ثلاثين عاما من مبارك وعائلته ووزرائه وزوجاتهم وأبنائهم، كما كشفت وثائق بنما.
الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند قرر فتح تحقيق حول الوثائق التى تطال شخصيات وأسماء فرنسية، وستتبعه دول أخرى ديمقراطية، ولسنا أقل من فرنسا أو أى دولة محترمة، ستفتح تحقيقات حول هذا الملف، خاصة أن الوثائق ذكرت بالأسماء الشخصيات المصرية من مبارك وحتى رشيد والعادلى وجرانة وعز.
“ نحن فى أزمة وعاوزين الفلوس”.. كما قال سائق التاكسى، ومصر بالفعل تعيش فى أزمات اقتصادية خانقة، وتحتاج إلى كل جنيه فى هذه الظروف، ونحن لدينا الأجهزة الرقابية الكفء لدراسة الوثائق المسربة الخاصة بمبارك ورجاله وعائلته، وتقديم تقرير رقابى للجهات القضائية، ثم التقدم للملاذات الضريبية الآمنة، سواء فى جزر كايمن وفيرجن إيلاند فى بريطانيا أو حتى فى جزر الكاريبى وبعض جزر جنوب شرق آسيا.
فالأموال هى أموال الشعب، والفساد بين وواضح، وكما ذكرت الوثائق: «فإن هؤلاء متهمين فى قضايا فساد واختلاس من الميزانية العامة المصرية، وهو ما عرقل مسيرة الديمقراطية وجرد الشعب المصرى من فوائد التنمية».
والبرلمان مطالب، بعد السكوت على الفضيحة الجديدة، بأن يمارس دوره الرقابى على الحكومة من أجل عودة الأموال المهربة ومحاكمة الفاسدين.